كتاب سبر

برافو داعش

إستيلاء داعش على مدينة الموصل سبب صدمة للجميع، فكيف لتنظيم مسلح أن يحتل مدينة بحجم الموصل يبلغ تعدادها أكثر من مليونين نسمة وتتواجد فيها شرطة محلية تقدر بحوالي 52 ألف من الشرطة المحلية وفرقتان عسكريتان تتواجدان خارج حدود المدينة. من الواضح أن هناك أمر مريب صدر من قيادات سياسية وعسكرية داخل مدينة الموصل أتاح لداعش السيطرة على الموصل بهذه الصورة السلسلة والسريعة، فضلاً عن وجود حاضنة شعبية فيها أبدت سعادتها بدخول داعش للموصل. وهذا يؤكد أن المشكلة الطائفية في العراق هي أساس المأسي التي تحدث لهذا الشعب المكلوم. 
سيطرة داعش على الموصل ومدن أخرى أثار الرعب ليس فقط في قلوب غالبية العراقيين خوفاً من إجرام هذا التنظيم التكفيري المتطرف الذي أظهر وحشية غير مسبوقة في الحرب السورية الدائرة وخوفاً من إحداث حرب أهلية باستهداف أحد مراقد ائمة الشيعة، بل أمتد الترقب والهلع إلى دول الجوار تركيا وإيران والكويت تحسباً لمغامرات يمكن أن تقوم بها داعش قد تصل إلى هذه الدول، وحتى الدول الغربية وأمريكا أبدت خوفها من تمدد داعش وأعربت عن أن هذا التنظيم الإرهابي لا يشكل خطراً على العراق فحسب، بل يهدد الجميع.
رغم وضوح توجهات داعش السلفية الجهادية وإرتباطها العضوي بتنظيم القاعدة لسنوات طويلة قبل أن تتمرد عليه ويعلن نفسه أميراً لدول العراق والشام فإن بعض الأغبياء وأصحاب العقول الفارغة ودعاة الطائفية لازالوا يصرون على الربط بين داعش وإيران ويعتبرون أن داعش صنيعة إيرانية، وهذا الإدعاء هو محاولة لتبرئة أنفسهم من خطيئة دعم وتسليح الجماعات التكفيرية مثل داعش والنصرة وغيرهما، ولذلك فهم بذلك يعملون وفق المثل القائل “رمتني بدائها وانسلت”.
شخصياً أجد فائدة كبيرة من وراء إحتلال داعش للموصل واعتقد أن “الخير فيما وقع”، فإحتلال داعش لمدينة عراقية سنية وتشريد أهلها يرفع العصابة الموجودة على عيون الكثيرين ويؤكد أن هذه التنظيمات التكفيرية المتطرفة بلاء على الجميع سنة وشيعة دون استثناء، وأيضاً ليدرك الجميع بشكل عملي وواقعي حجم الكوارث الإنسانية التي أرتكبتها داعش وزميلاتها في سوريا والعراق بشكل خاص، وأيضاً بقية المنظمات التكفيرية في الصومال وليبيا واليمن ومصر وأفغانستان وباكستان بشكل عام. ومن فوائد “الهجمة المباركة” لداعش على الموصل أن تنتبه حكومتنا غير الرشيدة لخطر الفكر التكفيري المستشري قبل أن تصل النيران إلى أذيالنا، فمن حلقت لحية جاره عليه أن يسكب الماء على لحيته. ويكفي لتعرف حكومتنا “المدمغة” حجم التأييد لداعش أن تبحث في التويتر لتجد الفرحة العارمة للكثيرين بنصر داعش “المؤزر”.
فقط بعد إحتلال الموصل وتكريت والفلوجة وبيجي أدرك العالم خطر داعش وما يمكن أن يشكله عليهم. المفارقة المضحكة المبكية أنه حتى دعاة التطرف في الكويت الذين ساندوا داعش لسنوات وتبرعوا لها بالأموال وحشدوا لها “المجاهدين والغزاة” بدأوا يتبرأون من تصرفات داعش ويعتبرونها مارقة، ولكن نقول لهم “خبز خبزتيه يا الرفله أكليه”، وهنيئاً لكم سيطرة داعش على الموصل وتهجير أهلها، وقريباً إن شاء الله سوف تكتوون بالنار التي أقتدحتموها.
 
د. صلاح الفضلي
salahma@yahoo.com