كتاب سبر

داعش أرهابيون أم ثوار؟

عندما سقطت مدينة الموصل قبل عدة أيام وخرجت عن سيطرة الحكومة العراقية المركزية أجمعت وسائل الإعلام على أن من قام بذلك هو تنظيم داعش المصنف على أنه تنظيم إرهابي في العديد من الدول وفي مقدمتها السعودية. وقد انتشرت في وسائل الإعلام العربية والدولية صور ومقاطع فيديو لمقاتلي داعش وهم يعدمون العشرات ويتوعدون بالزحف إلى بغداد والنجف وكربلاء. ولكن بعد يومين من سقوط الموصل بدأت تتبلور عند الكثيرين مقولة أن سقوط الموصل ليس مجرد هجوم إرهابي من تنظيم داعش التكفيري، وإنما هو نتاج ثورة شعبية من أبناء الموصل تجاه سياسة الإقصاء والتهميش التي يمارسها رئيس الوزراء نوري المالكي بحق السنة العرب، وأن داعش ليست سوى واجهة لهذه الثورة وهي لا تشكل سوى جزء صغير منها. وهنا لابد أن نسأل هل ما حصل في الموصل وبقيـة المـــدن عملية إرهابية أم ثورة شعبية؟
لكي نستطيع تحليل ما حصل بموضوعية والوصول إلى نتائج صحيحة علينا أن ننحي العاطفة والعصبية الطائفية والقناعات المسبقة جانباً. وبداية التحليل لابد أن تبدأ من المسلمات، وأولها أن أبناء المحافظات العربية السنية يشعرون بالتهميش والإقصاء وأنهم يعتبرون أن المالكي ديكتاتور يريد أن يخضعهم لسيطرته لاعتبارات طائفية. وهذا الشعور من قبل العرب السنة مفهوم من الناحية النفسية، فمهما حاولنا أن نجمل الصورة فإنهم يعتبرون أنهم بسقوط نظام صدام فقدوا السلطة، وأنها بسبب ذلك انتقلت إلى الشيعة، وهو أمر –علينا أن نعترف- أنه لم يتم تقبله حتى الآن. وايضاً من المسلمات أن هناك بقايا لحزب البعث لا يزالون يحلمون بعودة النظام البعثي للسلطة، ومن المسلمات أيضاً أن داعش تنظيم تكفيري متطرف ارتكب جرائم بشعة تقشعر لها الأبدان. إذن ما حصل بالموصل هو أن داعش كانت رأس الحربة والريح التي نفخت في نيران هذه التراكمات الموجودة تحت الرماد، وبالتالي اختلط الحابل بالنابل، أختلطت معارضة التهميش والإقصاء مع حابل التكفير والإرهاب، وكان نتيجة ذلك أن هناك من أصبح يرحب بما تقوم به داعش –رغم علمه بإجرامها- نكاية بحكومة المالكي، وإلا كيف يستقيم القول بأن داعش تنظيم إرهابي في سوريا وثوار في العراق؟!
ما حصل في الموصل أعاد المخاوف من حدوث حرب طائفية بين العرب السنة والعرب الشيعة، أما الأكراد الذين كانوا هم العقل المدبر لخطة سقوط الموصل فهم غير معنيين بسنيتهم، فمصالحهم القومية كأكراد هي الأولوية القصوى لديهم، وقد حققوا من خلال “غزوة الموصل” ما يريدون بوضع يدهم على كركوك وهم ما عجزوا عن تحقيقه طوال العشر سنوات الماضية، ولذلك فهم غير مبالين بما قد يحصل من اقتتال العرب السنة والشيعة. ولأن هناك من يريد بكل ما اؤتي من قوة إشعال الحرب الطائفية تحقيقاً لمأربه أعتبر أن فتوى السيد السيستاتي للجهاد الكفائي موجهة للسنة، في حين أن الموضوعية تقتضي القول بأن فتوى الجهاد ليست موجهة للسنة، وإنما هي موجهة للتصدي لعصابات داعش التي تستبيح الدماء والأعراض وتهدد بتدمير مراقد ائمة الشيعة في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، وهو الأمر الذي لو حدث –لا سمح الله- فإنه سوف يؤدي حتماً إلى حرب أهلية دموية لا تبقي ولا تذر، وبالتالي يصبح من الواجب التصدي لوحوش داعش حتى لا يشعلوا ناراً لا يستطيع أحد إخمادها.
 
د. صلاح الفضلي
salahma@yahoo.com