كتاب سبر

عدوان غزة .. محنة أم منحة ؟

من مقتضيات الحكم الربانية أن يتصارع الحق والباطل ، ويضطرب الخير والشر ، وتموج الفتن ،  ويتصدر الرويبضة ، بهدف الإبتلاء وتمحيص القلوب  وتمايز الصفوف , فيثبت من صدق الله ، ويهوي من رائى ونافق ، وهو أمر ماض إلى قيام الساعة . وما الإعتداء الهمجي البربري من العدو الصهيوني ضد أهالي غزة المدنيين العزل إلا شاهد على ذلك . ففي الوقت الذي هز هذا العدوان الوحشي ضمائر شعوب غير مسلمة وتفاعلت معه بالوسائل المتاحة ، صدمنا بفئة شاذة من أبناء هذه الأمة من يتشفى ويشمت ، بل ويحرض ويدعم عمليات قتل وترويع وتشريد قسري لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة ، بحجج ظاهرها اتهامات حزبية جوفاء لاستدرار العاطفة للتكسب السياسي ، أوافتراءات خلط الأوراق في المنطقة لصالح إيران ، أواستفزازات غير مبررة للكيان الصهيوني ، بينما باطنها البغض لهذا الدين والطعن فيه ومحاربة أهله. إن المواجهة والصراع مع العدو الصهيوني ليست وليدة الحاضر حتى نلقي باللوم والتقريع على حكومة غزة ، بل إن فصولها قد نسجت منذ احتلال فلسطين عام 1948 ، وقتل وتهجير وتشتيت أهلها ، واغتصاب أراضيهم وسلب مزارعهم وممتلكاتهم ، وزج أبنائها بالسجون والمعتقلات. وقد تصاعدت وتيرة المواجهة بعد حصارغزة الخانق التي أصبحت كالسجن الكبير الواقع بين كماشة عدو متسلط متربص وجار متؤاطؤ ومتآمر. 
إن ما يجري الآن في غزة من أحداث دامية قد تبدو في ظاهرها شرا وبلاء ومحنة ، ولكنها تحمل في طياتها منح كثيرة للأمة على المدى القريب والبعيد . فهي حلقة في سلسلة كشف الأقنعة وتمايز المواقف للمتصهينين والعملاء والمرجفين المندسين بيننا ، وذلك من باب ” لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى? بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ” ، فهم بمثابة الخبث الذي تلفظه النار عند صقل المعادن. كما أن صلابة وبأس القدرات القتالية للمقاومة ، والتطوير النوعي للأسلحة التي تصنعها بموارد محدودة قد أسهمت في هز أسطورة العدو الصهيوني وأربكت حساباته العسكرية ، وبثت الرعب والفزع في أركانه في سابقة تاريخية. وفي ذات الوقت ، فقد أكسبت هذه المواجهات المقاومة مزيدا من الثقة بقدرتها على التأثير بميزان القوى العسكرية وتكبيد العدو خسائر فادحة. وعلى الصعيد الإعلامي فقد أدت الجرائم الوحشية للكيان الصهيوني واستهدافه العشوائي والمتعمد للمدنيين إلى سخط وتأليب عالمي متزايد ، مما وضع حلفائه في حرج دولي بالغ ، في مقابل اتساع دائرة التعاطف مع القضية الفلسطينية.   
إن التطورات المستجدة للعدوان على غزة تضع حكومات الأمة العربية قاطبة على أعتاب مرحلة جديدة ومتقدمة من مراحل المواجهة والتصعيد مع الكيان الصهيوني ، مع منحهم الأفضلية إن هم أحسنوا استثمارها سياسيا وإعلاميا وعسكريا.  
ختاما نقول لأهل غزة الصمود والملحمة إصبروا وصابروا ورابطوا فلعلكم المعنيين بالطائفة المنصورة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم ” لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس” وفي رواية ” هم بالمقدس وأكناف بيت المقدس”.