كتاب سبر

قدسنا وإن جل الخطب

من خطبة للإمام علي عليه السلام بأهل الكوفة بعد ورود أخبار عن إغارة جيش الشام بقيادة سفيان بن عوف الغامدي على بعض قرى الأنبار التابعة لنفوذه في تلك الفترة وفيها يصف تخاذل القوم عن رد الجيوش الغازية بقوله :
” هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار وقتل حسان البكري وأزال خيلكم عن مسالحا (ثغورها) وقتل منكم رجالاً صالحين، وقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع إحجالها وقلبها ورعثها (الخلاخيل ، والأسورة ، والأقراط) ثم انصرفوا وافرين ما كلم رجل منهم كلما (أي ما جرح جرحاً) فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراَ. فيا عجباً والله يميت القلب و يجلب الهم اجتماع هؤلاء على باطلهم وفشلكم عن حقكم فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى”.
إذا كان الإمام علي يخاطب أصحابه بهذه الخطبة فإن الخطبة كأنها موجهة إلى عامة المسلمين في زماننا هذا، وإذا كانت الأرض التي غزاها سفيان بن عوف وهو مسلم هي قرى الأنبار فإن الأرض التي يتم غزوها واستباحتها هذه الأيام هي أكناف بيت المقدس ومن يغزوها هم عدو المسلمين اللدود الصهاينة في حين يتفرج أكثر من مليار مسلم على ما يحصل دون أن يستطيعوا حيلة أو يهتدوا سبيلاً، بل أن البعض منهم فرحون مبتهجون شامتون بما يحصل في غزة، بل والأدهى والأمر أن تكون بعض الأنظمة العربية إما راضية عن استباحة غزة وقتل نساءها وأطفالها وإما متأمرة ومتواطئة في ذلك.
الكثيرون من العرب والمسلمين من السذاجة والغباء بمكان بحيث لا يستطيعون التفريق بين خلافهم مع الإخوان المسلمين المتمثلون في حركة حماس وبين الدفاع عن مقدسات الأمة، فليس كل سكان غزة من الإخوان المسلمين، وليست غزة والقدس وبقية الأراضي الفلسطينية المغتصبة للفلسطينيين فحسب، بل هي قدس العرب والمسلمين جميعاً. هذه السذاجة هي التي جعلت تفاعل الشعوب العربية مع مآسي العدوان على غزة أقل حماسة وأوهن نصرة مما سبق، وكأن الحس الإنساني مات في ضمير هذه الأمة فلم تعد تكترث لتقطيع أوصال الأطفال والنساء وهدم البيوت على أصحابها وتجويع شعب كامل، والأمة ما بين متفرج ومتأمر، بل وصل الحال بغالبية هذه الأمة إلى إظهار الحماس المنقطع النظير لمتابعة مباريات كأس العالم وتجاهل حتى متابعة مجريات العدوان على غزة فضلاً عن نصرتها، وأصبح فوز المنتخب الألماني بكاس العالم أهم بكثير من أنتصار المقاومة على العدو الصهيوني.
ما يحدث من عدوان على الشعب الفلسطيني في غزة يؤكد على صوابية تخصيص الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك كيوم للقدس لكي تظل قضية القدس وأرض فلسطين كافة حاضرة دوماً في ذاكرة ووجدان كل مسلم باعتبارها قضية المسلمين الأولى والبوصلة التي يجب أن تحدد مسار هذه الأمة بعد أن أصابت لوثة التكفير عقول الكثير ممن يدعون الإسلام زوراً وبهتاناً، فاصبحوا يوجهون سيوفهم وبنادقهم إلى نحور وصدور المسلمين بدلاً من أن يوجهوها إلى صدور أعداء الأمة. ستظل القدس قضيتنا وتحريرها هدفنا وأن جل الخطب وعز النصير.
 
د. صلاح الفضلي
salahma@yahoo.com