كتاب سبر

أكلوها

مرة بعد أخرى تثبت الأحداث أن من يدعم أو يستخدم الجماعات المتطرفة لتحقيق أهدافه على خصومه سرعان ما يكتوي بنار هذه الجماعات التكفيرية، والشواهد على ذلك كثيرة وهي قد بدأت بقيام تنظيم القاعدة بغزوته الشهيرة في نيويورك عام 2001 بعد أن كانت الولايات المتحدة دعمته في حربه ضد السوفيت في أفغانستان. في هذه الأيام نشهد تجارب عديدة لجهات دعمت الجماعات التكفيرية المسلحة فارتدت عليها، فمدينة الموصل العراقية التي سقطت بأيدي داعش بمؤامرة من الأكراد وبعض السياسيين العراقيين أصبحت وبالاً عليهم، فرئيس مجلس النواب العراقي السابق أسامة النجيفي الذي يُعتقد أنه وأخاه محافظ الموصل أثيل النجيفي كان لهما دور في الخيانة التي حصلت بين أفراد الجيش العراقي في الموصل وأدت إلى إنهيار قواته هناك مما سمح لداعش باجتياح مدينة الموصل، فأسامة النجيفي أعلن قبل عدة أيام عن تشكيل “كتائب الموصل” قائلاً أن “أهالي الموصل عزموا اليوم على التخلص من قوات داعش بأنفسهم بعد أن ضاقوا ذرعاً بتصرفاتها»، موضّحا أنـه «تم اختياري لأكون قائدا لكتائب الموصل لهذا الغرض”. 
الأكراد بزعامة مسعود البرازني أعتقدوا أن استخدامهم داعش في طرد قوات الجيش العراقي من الموصل ومن الأراضي المتنازع عليها في بين حكومة بغداد وأقليم كردستان فرصة ذهبية لتحقيق حلمهم في ضم كركوك إلى كردستان واستغلال حقولها النفطية، ولكن سرعان ما وقعوا بنفس مصير من يستخدم هذه المنظمات التكفيرية، فقبل يومين تعرضت قوات البيشمركة لهزيمة قاسية من قبل “مجاهدي داعش” مما أدى إلى سيطرة داعش على قضاء سنجار أكبر مدن محافظة نينوى بعد مدينة الموصل. وفي نموذج أخر لمصير من يستعين بالجامعات التكفيرية قامت مجموعات من داعش وجبهة النصرة باحتلال مدينة عرسال اللبنانية بعد أن قتلت 10 جنود من الجيش اللبناني وأحتجزت 13 أخرين، علماً بأن سياسيي تيار المستقبل دافعوا بقوة عما يحدث في عرسال من انتشار عناصر الجماعات التكفيرية القادمة من سوريا باعتبارهم “لاجئون” وها هم اليوم يشتكون من تغول هذه الجماعات المتوحشة. وهكذا تثبت الأحداث أن من يستعين بالجماعات التكفيرية المسلحة كمن يستعين بذئب مفترس ثم سرعان ما يرتد هذا الذئب ليهاجم من رباه واستخدمه.
الغريب أن أكثر من يحذر من خطر إرهاب الجامعات التكفيرية هذه الأيام هي السعودية ولعل أخر هذه التحذيرات وردت في كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل أيام الذي دعا الجميع لمواجهة خطر الإرهاب التكفيري، رغم أن غالبية قياديي داعش وأخواتها هم سعوديون تخرجوا عبر المناهج الدراسية السعودية وفي حلقات “التبليغ والدعوة” في المراكز الدينية السعودية، ومن الواضح أن السعودية أصبحت تستشعر أن خطر داعش وزميلاتها يقترب بسرعة من السعودية، وهذا يؤكد مقولة “أن الإرهاب التكفيري خرج من أرض الجزيرة وسوف يعود إليها”. الكلمة المستحقة لكل من ساند داعش وأخواتها هي “أكلوها”.
د. صلاح الفضلي
salahma@yahoo.com