كتاب سبر

سمن كلبك يأكلك

هذا المثل من أمثال العرب المشهورة، وأول من قاله: حازم بن المنذر الحماني، وذلك أنه مر بمحلة همدان فوجد غلاما ملفوفاً في ثوب، فحمله معه على أمل أن يستعين به إذا كبر، فقدم به منزله وأمر أمة له أن ترضعه حتى كبر وراهق الحلم، فجعله راعياً لغنمه وسماه جحيشا، وكان لحازم ابنة يقال لها: راعوم فهويت الغلام وهويها وانتبه حازم لهذا فترصد لهم حتى عرف الحقيقة ووجدهم على الفاحشة، فقال: سمن كلبك يأكلك، فأرسلها مثلا وشد على جحيش ليقتله ففر ولحق بقبيلته.
هذا المثل ينطبق هذه الأيام تماماً على الدول التي دعمت الجماعات التكفيرية التي تعتنق الفكر السلفي الجهادي وأبرز نماذجها اليوم تنظيم داعش الذي أعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها “خيارات صعبة” بأن أمريكا هي من أسسته وأنها شخصياً زارت 112 دولة لتطلب منها الاعتراف بدولة الخلافة التي ستقيمها داعش. أمريكا صحت من حلمها لتكتشف أن داعش مثل الغول الذي لا يمكن أسئناسه، ولذلك قررت التدخل باستخدام القصف الجوي لوقف تقدم داعش نحو أصدقائها في أربيل لأن “تقدم مقاتلي التنظيم كان أسرع من توقعات استخباراتنا” بحسب قول أوباما، أي أن أمريكا كانت على علم بمخطط إسقاط الموصل ولم تحرك ساكناً وأن ما دفعها فقط للتدخل هو أن تقدم داعش “أسرع من توقعاتهم”. ما حرك أمريكا الآن هو تعرض مصالحها في أربيل للخطر وتهديد عاصمة حليفها المقرب مسعود البرازاني الذي كان يظهر قبل أيام الشماتة بالحكومة المركزية عند سقوط الموصل، وها هو اليوم يستنجد بها لحمايته من خطر داعش.
يبدو أن العالم للتو أدرك الخطر الحقيقي لداعش، حيث تحولت داعش إلى مصدر رعب يخيف القلوب أكثر من الخوف من مرض السرطان، وها هي الأحداث المتوالية تثبت الآن صحة موقف المرجع الديني السيد السيستاني عندما أفتى عند سقوط الموصل قبل قرابة الشهرين بوجوب التصدي لداعش وحماية البلاد والعباد من شرورها، وهي الفتوى الذي أنتقده الكثير من أجلها على اعتبار أنها فتوى طائفية تحرض على قتل “الثوار السنة” في الموصل رغم أن السنة هم أكثر المتضررين من داعش بعد أن أجتاحت مناطقهم، وبذلك يثبت السيد السيستاني أنه أبعد نظراً وأكثر عمقاً في فهم الأمور من كثير من دوائر الاستخبارات العالمية.
رغم أن الجميع وفي مقدمتهم العم سام أدرك خطر داعش وزميلاتها إلا أن من الواضح أنه من غير الممكن التخلص من الفكر التكفيري بقتل أعداد من حامليه هنا أو هناك مادام خزان التكفير الرئيسي الموجود في السعودية مازال مستمراً في ضخ أعداد هائلة من المتطرفين، وأكبر دليل على ذلك أن أكثر مقاتلي الجماعات السلفية الجهادية هم سعوديون أو درسوا في المدارس الدينية السعودية أو ترعرعوا في مراكز أنشئت بأموال سعودية، ولذلك فإذا ما أريد التخلص من شرور الفكر التكفيري فلابد من إيقاف تدفق المنبع، وإلا فإن هؤلاء سوف يستمرون في التكاثر بأسرع من تكاثر الأرانب، وعندها فإن الكلب سوف يأكل من سمنه.
د. صلاح الفضلي
Salahma@yahoo.com