تحقيقات

ذوو الدخل المحدود يلجأون إليهن هرباً جحيم الأسعار
الاستعانة بالخادمات المتغيبات.. بين غياب الرقابة وجشع مكاتب استقدام العمالة

لا يمكن أن تكون ظاهرة مكاتب الخدم الوهمية مثيرة للاستغراب.. فهي نتيجة حتمية للارتفاع المتواصل وغير المنطقي لأسعار العمالة المنزلية، حتى تجاوز في بعض الجنسيات الألف دينار، وهو ما دفع الكثير من الأسر ذوات الدخل المحدود إلى الاستعانة بالخادمات المؤقتات التي توفرها مكاتب (ليست لها مقر) وتتعامل مع زبائنها عبر الهاتف النقال، ما عليك إذا احتجت خادمة إلا أن تتصل ليأتيك الطلب إلى المنزل لقاء مبلغ متفق عليه مسبقاً، يأخذ المكتب الوهمي عمولته عبر الوسيط المكلف بتوصيل الخدمة، وتتلقى الخادمة (الهاربة من كفيلها) راتباً قد يصل إلى مئة دينار أو يزيد بعد كل شهر تمضيه في المنزل، وفترة مكوث هذه الخادمة لا تتجاوز الـ 3 أشهر لتنتقل بعدها (عبر ذلك المكتب) إلى منزل آخر.. والغريب أن أغلب هؤلاء الخادمات من الجنسية الأثيوبية.

أجهزة الداخلية ممثلة بإدارة مباحث الهجرة تحركت في هذا الاتجاه، وأعلنت عن اصطياد عصابات تتاجر بالخادمات المتغيبات، لكن ذلك لم يوقف عمليات الالتفاف على القانون والمتاجرة بالعمالة المنزلية الهاربة، والخاسر الأكبر من ذلك هو الكفيل الذي دفع مبلغاً طائلاً لاستقدام خادمة لأسرته، لكنه استيقظ ذات صباح ولم يجد لها أثراً.

ولئن كانت أجهزة المباحث جادة في ملاحقة هذه العصابات، فإن ذلك لن يكون كافياً ما لم تكن هناك إجراءات حاسمة وحازمة ضد أصحاب مكاتب الخدم الذين يواصلون عمليات الابتزاز.. ويرفعون شهراً بعد شهر أسعار طلب الخادمات بعيداً عن رقابة الدولة.. أو ربما برضى أجهزتها المسؤولة.

سبر تناولت هذا الأمر واستعرضت آراء بعض المتخصصين.. فكانت هذه الحصيلة:

* نعيمة الطاهر: عرض الخدمات وصل إلى “الاستيغرام” وبأسعار خيالية

* جميل المري: بعض المكاتب تحرض الخدم على الهروب عند انتهاء مدة الكفالة

* جلال آل رشيد: لا أشجع الخادمة المؤقتة لأنها تعمل خارج نطاق القانون

بداية قالت استاذ علم النفس بجامعة الكويت د. نعيمة الطاهر ان بعض مكاتب الخدم ضعفاء النفوس ويصطادون في المياه العكرة في كسب الارباح الكثيرة من جيوب المواطنين المحتاجين الى الخدم، مؤكدة ان بعض المكاتب يستغلون حاجة الخدم لمكاسبهم وأطماعهم لذلك نراهم يعملون اعلانات الخدم بأسعار خالية جداً.
وأكدت الطاهر ان بعضهم يأخذ المقدم المدفوع من الزبون ولا يسترجعه اليهم والسبب لانتهاء مدة الكفالة التي تكون عبارة عن ثلاثة أشهر، مشيرة الى أن بعض الأحيان تكون هناك اتفاقية ما بين المكتب والخادمة بأن تهرب من كفيلها تزامنا مع انتهاء مدة الكفالة.

وأضافت: شجعت بعض النفوس الضعيفة بعمل اعلانات وهمية بوجود لديهم خدم ذات كفاءة عالية ومهارات جيدة وخبرة في العمل، وبعضهم يلجأ ويجلب الخدم من بعض السفارات التي تعطيهم الخدم الهاربة، وهذا ما يتعاملون مع بعض السفارات، مشيرة الى ان الأسعار المعروضة في مكاتب الخدم غير مناسبة مع الفرد.

وذكرت: انني جلبت خادمة الى منزلي بمبلغ 800 دينار من الجنسية الفلبينية في المقابل هناك خادمة يتنازل عنها كفيلها بمبلغ 950 دينار فأسعار جدا باهظة.

وقالت الطاهر إن هناك مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي بعملهم الاعلانات في بيع الخدم ويصل المبلغ الألف دينار وأكثر، مشيرة الى أن هناك مواقع كـ”الاستيغرام” تعرض الخدم للبيع ولكن التكلفة تكون كبيرة، مؤكدة ان هذا الامر يشكل خطر على المجتمع في المكاتب الوهمية، وحتى بيع الخدم عن طريق “الاستيغرام” فمنها تكون الاسعار غالية بالاضافة ان الخادمة لا تعرف شخصيتها وما هي الاسباب التي أدت الى تنازل كفيلها عنها فغير المعقول ان يتنازل عن خادمته وهي بحالة جيدة من العمل.

وأوضحت الطاهر ان البعض يتنازل عن خادمته بسبب عدم التلاؤم ما بين الخادمتين نظرا لاختلاف جنسياتهم فعلى سبيل المثال الأولى من افريقيا والأخرى أسيوية.

من أمن العقوبة أساء الأدب

بدوره، قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور جميل المري: من أمن العقوبة أساء الأدب، هناك من الآسيويين غير مبالين عما يفعلونه من التجارة بالخدم ويعتبرونها تجارة مربحة ومكسب عالي من المال، مؤكدا ان بتطبيق القانون ستزيل جميع المشاكل بالبلد ولا يبقى منها أي شيء، فلابد من تطبيق القانون حتى لا تكون هناك أي اختراق في الأمور ومنها المكاتب الوهمية للخدم.

وأكد المري ان بتطبيق القانون كل شيء يكون على أحسن حال فنريد فزعة في تطبيقه وقد جربنا تطبيق القانون على ازالة الديوانيات فرأينا الجميع التزم بذلك القانون.

وأضاف: ليس هناك عقوبة على من يتاجر بالخدم بالمكاتب الوهمية، والذي يتاجر بالخدم من المقيمين ليس لديه أي مشكلة فهو يعي عقوبة ما يحدث له اما السجن او الابعاد عن البلد وعندها يستطيع ان يرجع مرة أخرى بجواز سفر آخر، لذلك لا يبالي بالأمر.

وأشار المري الى ان بعض المكاتب تحرض الخدم بالهروب عند انتهاء مدة الكفالة او عند انتهاء الكفالة تخلق لك الخادمة بعض الظروف الطارئة التي تحصل لها لكي تعود الى بلدها وترجع مرة أخرى لكفيل آخر والرابح المكتب، والمسكين المواطن الذي يقع ضحية هذه المكاتب.

وأكد ان مؤسسات الدولة أرادت ان تحد من العمالة السائبة فبدل ان تكون لدينا اربع خادمات في البيت تصبح لدى صاحب البيت ذي الدخل المحدود خدامتين لان الأسعار عالية وتصل الى 800 او 1000 او 1200 دينار والمستفيد من ذلك بعض المكاتب، وهذا ما أعطى مكاتب الخدم الوهمية بازياد مكاسبهم لرؤيته ان العملية مربحة وبيع الخادمة بسعر باهظ.

وأوضح ان بعض المكاتب الذي يباشرون العمل هم الجنسية الآسيوية وليس أصحابهم.

من جهته، قال استاذ مساعد في قسم اللغة العربية في كلية التربية الاساسية الدكتور جلال آل رشيد: اعتقد ان من الممكن بان مجموعة من المواطنين يقومون بافتتاح مكاتب خدم لكسر حكر الأسعار وحد من تلاعب مكاتب الخدم الوهمية.

وأضاف: لا أشجع الخادمة المؤقتة فهي تكون تعمل خارج نطاق القانون، خصوصا ان كفيلها التي هربت منه قد دفع تكلفتها للمكتب وتكون هذه التكلفة باهضة.

وذكر آل رشيد: بأنني اشجع اعادة الخادمة من الجنسية الاندونيسية مرة أخرى، فعندما تعمل عرض للخدم من عدة دول تكون الأسعار منخفضة. 

ماذا يقول الزبائن؟

أما الزبائن فكانت لهم اراء مختلفة فمنهم من يلقي باللوم على اصحاب المكاتب، فيوضح المواطن جاسم المشاري الذي جاء بحثا عن خادمة او حتى مجرد طلب عوضا عن خادمته التي سافرت الى بلدها، أن اسعار الخدم اصبحت تجارة بعد ان وصلت الى ارقام فلكية تتراوح بين 800 و 1000 دينار رغم ان سعرها في السابق لم يتجاوز 200 دينار.

واستغرب من وصول سعر طلب الخادمة الهندية الى 800 دينارا وراتب شهري 60 دينارا وتتم تجربتها مدة 3 ايام فقط بل والامر من ذلك انه بعد دفع ثمن هذا الطلب لا تأتي الخادمة إلا بعد شهرين او 3 أشهر رغم ان مكتب العمالة المنزلية يقول انها تصل خلال اقل من شهر.

وارجع المشاري سبب غلاء بعض الخادمات المعينة الى سفاراتهن، مبينا انه بمجرد زيارة الى بعض السفارات نجد انها “متروسة” بالخدم الذين لجؤوا اليها لاسباب متعددة منها ترجيع الخدم او الهروب، فكل خادمة تتطلع الى طموحاتها الشخصية تجدها “انحاشت” وذهبت اما الى سفارتها او انها تعمل في بيت آخر او وقعت فريسة لمن يتاجر بالخدم.
 
“تعبنا من كثر ما نروح ونرجع على مكاتب الخدم” هذا ما حدثنا به أحد زبائن الخدم فالح الحمد، قائلا انني اتردد كثيرا على مكاتب الخدم لاحصل على خادمة جيدة ولكن كل ما تأتي لنا خادمة اما تكون مريضة او لا تريد ان تعمل.

واشار الى ان المكاتب الخدم الوهمية تصطاد الأمور بالمياه العكرة، مؤكدا ان هناك بيع للخدم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ولكن لا اثق بهذه الخدم كونها البعض يتنازل عنها ولا يعطيك كفالة لتجربها وغالبا ما تكون أغلى من الطلب الجديد.

وشدد الحمد على الجهات المعنية ان تضع حدا لهذه الاسعار التي تنخر جيوب المواطنين، وكذلك ان تضع حد للتسيب من مكاتب الوهمية التي تبيع الخدم دون أي مسؤولية، بالاضافة معاقبة من يشغل لديه خادمة وهي بالاساس عليها تغيب “هروب”.

من جهته، قال فايز النافع اننا لجأنا بتقديم طلب خادمة من الجنسية الاثيوبية وهي ما تكون أرخص الموجود ولكن هذه الفئة لا تخلو من الجرائم كما رأينا في الصحف اليومية من ارتكاب جرائم في القتل.

وأكد النافع: لو هناك طلبات خدم رخيصة ومعقولة في الجنسيات المطلوبة لنكون أول الطالبين لها ولكن الخدم من الجنسيات المطلوبة تكون غالية وغير مناسبة للفرد ذي الدخل المحدود.

وقال: ان البعض يلجأ الى المكاتب الوهمية ليستفيد من فرق السعر ولكن في المقابل هناك سلبيات كثيرة تقع على المكاتب الوهمية وهي بالاساس غير موثوق بها.