كتاب سبر

المغفور له مجلس التعاون الخليجي

رغم محاولة اللحظة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في زيارته قبل أيام إلى قطر ولقاءه بأميرها تميم بن حمد لحل الخلاف السعودي القطري إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن الطلاق بين الدول الثلاث السعودية والإمارات والبحرين من جهة وبين قطر من جهة ثانية واقع لا محالة، ولعل إجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون في الرياض اليوم سوف يعلن إشهار الطلاق بصورة رسمية بعد أن أصرت قطر على رفض الشروط التي وضعتها الدول الثلاث لتغيير سياسة قطر الإقليمية والتي تشكل نقيضاً لسياسة الدول الثلاث وتعتبرها تهديداً خطيراً لأنظمتها الحاكمة. وهكذا تكون جميع الضغوط التي مورست على قطر لإعادتها إلى “بيت الطاعة” الخليجي قد فشلت. 
رغم أن البعض كان متفائلاً بأنه يمكن إحتواء الخلاف القطري-السعودي وخاصة بعد التدخل القوي لسمو الأمير قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر، ولكن الواقع يقول أن من الصعب جداً على قطر القبول بمطالب الدول الثلاثة لأن قطر ومنذ عدة سنوات أتخذت قراراً استراتيجياً أن تكون لاعباً رئيسياً في المنطقة وأن تخرج من تحت عباءة السعودية وقد استثمرت في هذه الاستراتيجية عشرات المليارات وهي غير مستعدة للعودة إلى المربع الأول. ولأن كانت رياح الثورات العربية التي أسقطت عدة أنظمة عربية بدعم قوي من قطر صبت في صالح تقوية الموقف القطري المتمرد على “الشقيقة الكبرى” وهو ما تسبب في غضب سعودي عارم ولكنه ظل مستتراً إلا أن الثورات المضادة وخاصة في مصر رجحت الكفة السعودية وساندتها الإمارات بقوة نتيجة لتطابق مخاوفهما من وصول رياح التغيير إليهما وخاصة من قبل جماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها الدولتان كمنظمة إرهابية، في حين أن قطر هي الداعم الرئيسي لها وهي تأوي الكثير من قادتها.
بعد الإصرار القطري في المضي في سياستها الخارجية ورفع الكويت يدها عن ملف المصالحة الخليجية وإنشغال عُمان بالوضع الصحي للسلطان قابوس فإنه لم يعد أمام السعودية والإمارات وتابعتهما البحرين سوى خيار قطع العلاقات مع قطر وهو ما يعني حكماً أن مجلس التعاون الخليجي الذي يضم هذه الدول سوف يصبح في خبر كان، وأغلب الظن أن مجلس التعاون الخليجي يعيش حالياً أيامه الأخيرة وأنه قريباً سوف يحمل لقب “المغفور له”. وفي ظل التحولات الكبيرة في المنطقة وتبدل التحالفات فإن الأرجح أن مجلساً جديداً سوف يظهر إلى النور على أنقاض مجلس التعاون الخليجي بحيث يضم المجلس الجديد السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن وهي الدول التي لها رؤية سياسية مشتركة من الأحداث الأقليمية الجارية، وفي المقابل فإن قطر ربما سوف تقيم تحالفات جديدة مع دول مثل تركيا أو حتى إيران كنوع من رد الفعل على المجلس الجديد، فيما يبقى موقف الكويت وعُمان غامضاً في كيفية التصرف مع الوضع الجديد.
السؤال هل لنا أن نتحسر على وفاة مجلس التعاون الخليجي؟ لا أعتقد أن الكثيرين سوف يترحمون على مجلس التعاون، فشعوب هذه الدول لم تلمس أية جوانب إيجابية تصب في خانة مصلحة الشعوب حتى يشعروا بالحنين له، فالقناعة العامة لدى المواطن الخليجي هو أن مجلس التعاون وجد لحماية أنظمة الحكم في دول الخليج ولم يعن يوماً بمصالح شعوبها ولذلك فهو سيذهب غير مأسوفاً عليه، وسيتم الاكتفاء في تذكره بمقولة “أذكروا محاسن موتاكم”.