كتاب سبر

سعود العصفور.. يكتب: جملة المقربين من صنّاع القرار "أمّن نفسك برا"
هل هي بالفعل “مؤقتة”؟

في حلقة من حلقات البرنامج الموءود “مانشيت” على قناة الراي في عام 2008 طرحت والزميل محمد الوشيحي سؤالاً جعلناه عنواناً لتلك الحلقة وهو “هل الكويت دولة مؤقتة؟” وكان الهدف من طرح ذلك السؤال المستفز لفت الانتباه إلى حالة المؤسسات الحكومية المهترئة المباني وإلى انعدام الرؤية الواضحة لمستقبل البلد من الناحية التنموية، ورغم أن السؤال استفز عدداً لا بأس به من المشاهدين، وأثار ضجة على مستوى الإعلام المرئي والمسموع وعلى مستوى المواقع الالكترونية، لم يكن التويتر دخل على خط الإعلام الاجتماعي بعد، إلا أن ما نمر به حالياً من أوضاع مقلوبة في هذا البلد يجعل السؤال اليوم أكثر إلحاحاً عنه قبل ستة أعوام.
أكتب هذا المقال والأخبار تتوارد عن قرارات جديدة لمجلس وزراء حكومة دولة الكويت تتضمن سحباً لجناسي مجموعة جديدة من المواطنين متضمنةً أسماء لشخصيات في المعارضة الكويتية، وتحت أعذار واهية وفي الغالب غير حقيقية. أكتب هذا المقال ومؤشرات التنمية والشفافية والتطوير في الكويت متراجعة بينما مؤشرات الفساد ومعدلات الجرائم والمخدرات في صعود متسارع. وأكتب هذا المقال والمحاكم تستعد لإصدار أحكامها على كثير من المغردين والمغردات والناشطين والناشطات في قضايا رأي عام، ولا تزال لم تصدر حكماً بالسجن أو حتى العقوبة الاجتماعية على “فاسد” واحد من مفسدي هذا البلد.
ستة أعوامٍ مضت، زاد فيها الأسطول الأميري طائراته، وزادت فيها الميزانيات المخصصة للتنمية بدون تنمية، وزادت الأنباء عن موجة محمومة لتحويل الأموال إلى الخارج، وموجة أخرى لشراء الأراضي والعقارات خارج البلاد، والجملة المشتركة في أفواه المقربين من صناع القرار هي “أمّن نفسك برا”! وحين تسأل هنا وهناك وتتابع الأخبار والفضائح والتسريبات، تجد أن “الجماعة” بالفعل “يؤمنون أنفسهم برا”.
ستة أعوامٍ مضت، قام فيها الديوان بتوزيع مئات القسائم الزراعية لأناس لا علاقة لهم بالزراعة، قام بعضهم ببيعها مباشرة بمبلغ يسيل له لعاب الزاهدين في أسرع عملية “إثراء” شهدتها البلاد منذ حقبة “التثامين” و”سوق المناخ”. وشهدت أيضاً فضائح التحويلات والإيداعات وغيرها!
ستة أعوامٍ مضت، والمجتمع يزداد انقساما والوحدة الوطنية في خبر كان، والجميع ينتظر سقوط الآخر حتى يشمت فيه أو يحرض السلطة عليه أو يؤيد بطشها به، والسلطة كما أرى لا تزيده إلا إنقساماً عبر أدواتها وقراراتها وإنتقائيتها! وتحول الشعب إلى “جواسيس” على بعضهم البعض وأصبحت جملة “ومنا إلى أمن الدولة” تتردد أكثر من جمل التهاني والتبريكات بالأعياد!  ومع مرور الأزمات وتزايد الإنقسامات يصبح من الصعب جداً “إصلاح” ما أفسدته السلطة وهو أمر لا يتجاهله إلا من لا يهتم بما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف!
 ستة أعوامٍ مضت، والطوابير على دفع كفالات المتهمين في قضايا الرأي في إزدياد، والأحكام ضد المغردين والسياسيين في إزدياد، وأغلقت صحف وقنوات وسحبت جناسي إعلاميين وسلبت مواطنتهم بغير وجه حق!
ستة أعوامٍ مضت، والبنية التحتية “مؤقتة” مهترئة. مباني من الكيربي المؤقت ومدارس من الشينكو وطرق من الأسفلت المتطاير ومشاريع متعطلة متوقفة أو منفذة بنصف أو ربع التكلفة الحقيقية. مشاريع ترتب أولوياتها حسب الفائدة التي ستعود على التاجر المقاول أو المقاول التاجر لا فرق، لا حسب أهمية المشروع وفائدته على المدى البعيد.
ستة أعوامٍ مضت، والتنمية البشرية متوقفة، والتعليم من سيئ إلى أسوأ، والإسكان توزع وحداته على “المخطط” في انتظار المستقبل المجهول تحت رحمة الإيجارات الكاسرة، والصحة بلا “مستشفيات” محترمة، وعقود التعاون مع المستشفيات الأجنبية كانت وهماً لا أكثر، وقوانين “المدن الطبية” وضعت في الدرج، والرياضة متدهورة، والفنون بلا متابع، وكل ما في البلد متدهور أو في أفضل حالاته “متوقف”.
ستة أعوامٍ مضت، والسؤال يتجدد، هل “هي بالفعل دولة مؤقتة؟”