يعرف علماء الإدارة الخبرة بأنها المهارة في أداء الأعمال ذات الطابع العملي أو الفكري ، بإتقان وسرعة ويسر ودون بذل مجهود كبير، وذلك نتيجة عمل وتفكير وجهد موجه ومكرر لفترات طويلة.
لقد دأب المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب على تنظيم وإقامة معرض الكتاب الدولي سنويا منذ عام 1975، وهذا يعني فرضيا اكتساب الخبرة التراكمية الكافية للإبداع في هذا الجانب، لكن الواقع يدحض هذه الفرضية.
لقد كنت وما زلت حريصا على زيارة معرض الكتاب منذ سنوات طفولتي، ولا أذكر أنه فاتتني فعالياته إلا لعذر قاهر، والذي لمسته كما لمسه كثيرون غيري أن طيلة هذه الفترة تكاد تكون المعارض نسخا مكررة، بحسناتها وسيئاتها، سواء على مستوى التنظيم أو الأنشطة المصاحبة أو الخطط التسويقية.
فعلى سبيل المثال، كانت السمة البارزة في معرض الكتاب الذي أقيم مؤخرا الازدحام الشديد وسوء تنظيم لحركة المرور ومواقف السيارات، في ظل غياب تام لعناصر التنظيم.
والذي فاقم من هذه الفوضى كثرة الأعمال الإنشائية في ساحات المعرض (ولا أدري سر مزامنتها مع المعرض)، وعدم وجود طرق معبدة للمشاة، حتى غدى التجول في أرجائه مغامرة محفوفة بالمخاطر وغير مأمونة العواقب.
فحتى يصل زوار المعرض إلى وجهتهم بسلام وجب عليهم استخدام مهارتهم البهلوانية لتفادى السيارات في الإتجاهين ، والسير على حواف الأرصفة، والقفز على الحواجز، وتسلق أكوام الرمال المتناثرة، كل هذا وهم يرددون اللهم سلم اللهم سلم! وغني عن القول ان الأمر أسوأ لمن يصطحب أطفاله معه !
والأمر الآخر الذي آثار الاستغراب والتساؤلات في آن واحد هو جدوى طباعة فهرس المعرض الضخم (أكثر من 650 صفحة) في عصر التواصل والبحث الرقمي؟ أليس كان من الأجدر إنشاء رابط فهرس الكتروني على الموقع الرسمي للمجلس في الإنترنت يوفر عناء الطباعة ويوقف هدر المبالغ والأوراق ؟ ألم يكن بالمقدور نشر أجهزة لوحية في أرجاء القاعات تسهل على المرتادين البحث عن العناوين المطلوبة ودور النشر؟
وكانت ثالثة الأثافي انتشار الروايات الهابطة باللهجة العامية والتي أثارت لغطا كبيرا وسخطا واسعا ، لبذاءة محتواها وانحطاط مستواها الأدبي ، في سابقة لم نعهدها في المعارض السابقة.
لقد حالفني الحظ في زيارة عدة معارض للكتاب المقامة في عواصم دول مجلس التعاون ، فهالني ما شاهدته من حسن التنظيم والاهتمام بتقديم خدمات مبتكرة ومتنوعة للزوار ، علما بأنها حديثة العهد في هذا المجال مقارنة بالكويت.
نحن لا ننكر أن المجلس قد ساهم نسبيا في تشجيع القراءة ورفع مستوى الثقافة المجتمعية من خلال هذه المعارض ، ولا شك أننا نثمن هذا الدور الحضاري ، لكن هذا التثمين لا ينبغي أن يحول دون استعراض لأوجه النقص والسلبيات التي ما انفكت تلازم إقامة معارض الكتاب ، آملين أن نشهد في السنوات القادمة تنظيما أرقى وأفضل.
د. جاسم الفهاد
أضف تعليق