كتاب سبر

سيد قطب رحمه الله والتكفير

1
تطرقت في أكثر من مرة لقضية التكفير عند سيد قطب رحمه الله تعالى وهذا الموضوع أُشبع نقاشاً في مؤلفات ومقالات كثيرة وفي الإعادة إفادة
2
إتفق الكثير من الأقرباء لسيد قطب  وحتى بعض مخالفيه بأنه صاحب أسلوب أدبي رفيع وموهم أحياناً بعباراته وكذلك مصطلحات مجملة تحتاج إلى بيان
3
سيد قطب بالإتفاق لم يقم بالتكفير عيناً لأشخاص أو مجتمعات أو دول وهذا يحرر موطن النزاع أكثر بأن الخلاف لفظي وناتج عن فهم السياق والمواضع
4
الفهم الخاطئ للكلام المنزل أو البشري لا يستلزم حمل النصوص لجانب معين وينطبق هذا على سيد قطب ففهم كلامه لنتيجة معينة لا يستلزم صحة الفهم
5
الآيات والأحاديث وأقوال السلف قد تفهم بطريقة خاطئة فكيف بأقوال سيد قطب فيتم إستنتاجرالمعاني بالتحقيق والبحث العلمي الشامل
6
وأذكر أن الشيخ محمد أحمد الراشد قال لنا أنهم تدارسوا كتب سيد قطب بالعراق مثلاً ولم يفهموا معاني تكفيرية فلا يقاس فهم البعض على الحقيقة
7
وهنا أضع بعض الأقوال لعبارات أكثر وضوح لموقف سيد قطب من التكفير
8
نقل المستشار عبدالله العقيل عن سيد قطب قوله (إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام على الناس ولكن مهمتنا تعريفهم بحقيقة لا إله إلا الله؛ لأن الناس لا يعرفون مقتضاها الحقيقي وهو التحاكم إلى شريعة الله” (من كتاب أعلام الحركة الإسلامية لعبد الله العقيل صـ 652 ).
9
هنا يبين مبدأ استخدام القوة لفرض النظام الإسلامي في المكان الذي لا يطبقه وها هو الشهيد يصف المجموعة التي تولى تربيتها عام 65، عندما تم اعتقاله تمهيدًا لإعدامه: “لقد اتفقنا على مبدأ عدم استخدام القوة لقلب نظام الحكم وفرض النظام الإسلامي من أعلى؛ لأن المطالبة بإقامة النظام الإسلامي وتحكيم شريعة الإسلام ليست هي نقطة البدء، وإنما هي نقل المجتمعات ذاتها إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة، وتكوين قاعدة إن لم تشمل المجتمع كله، فعلى الأقل تشمل عناصر وقطاعات تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل في إقامة النظام الإسلامي”. (كتاب شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر- المستشار سالم البهنساوى صـ 237، وكتاب العبقري العملاق سيد قطب صـ83 للأستاذ إبراهيم منير).
10
يكمل سيد قطب موضوع فرض النظام الإسلامي يقول رحمه الله.. “ولا بد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة، وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية مَن يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة تربية إسلامية صحيحة.. وعدم محاولة فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به..” (جريدة المسلمون، من مقالة بعنوان لماذا أعدموني؟ ذكرت كلمات وكتابات له).
11
محمد قطب يتحدث عن أخيه ومفهومه للتكفير إن كتابات سيد قطب قد تركزت حول موضوع معين ، هو : بيان المعني الحقيقي للا إله إلا الله ، شعوراً منه بأن كثيراً من الناس لا يدركون هذا المعني علي حقيقته ، وبيان المواصفات الحقيقية للإيمان ، كما وردت في الكتاب والسنة ، شعوراً منه بأن كثيرا من هذه المواصفات قد أُهمل ، أو غفل الناس عنه ! ولكنه مع ذلك حرص حرصاً شديداً علي أن يبين أن كلامه هذا ليس مقصودا إصدار أحكام علي الناس ، وإنما المقصود به تعريفهم بما غفلوا عنه من هذه الحقيقة ، ليتبنوا هم لأنفسهم : إن كانوا مستقيمين علي طريق الله كما ينبغي ، أم أنهم بعيدون عن هذه الطريق ، فينبغي إليهم أن يعودوا إليه ….
ولقد سمعته بنفسي أكثر من مرة يقول : ” نحن دعاة ولسنا قضاة ” إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام علي الناس ، ولكن مهمتنا تعريفهم بحقيقة ” لا إله إلا الله ” لأن الناس لا يعرفون مقتضاها الحقيقي ، وهو التحاكم إلي شريعة الله ! كما سمعته أكثر من مرة يقول :إن الحكم علي الناس يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك ! وهذا أمر ليس في أيدينا ، ولذلك نحن لا نتعرض لقضية الحكم علي الناس ، فضلا عن كوننا دعوة ولسنا دولة ، دعوة مهمتنا بيان الحقائق للناس ، لا إصدار الأحكام عليهم ….
أما بالنسبة لقضية المفاصلة ، فقد بين في كلامه أنها المفاصلة الشعورية ، التي لابد أن تنشأ تلقائياً في حس المسلم الملتزم ، تجاه من لا يلتزمون بأوامر الإسلام ، ولكنها ليست المفاصلة الحسية المادية ، فنحن نعيش في هذا المجتمع ، وندعوه إلي حقيقة الإسلام ، ولا نعتزله ! وإلا فكيف ندعوه ؟ .
12
هنا يفرق سيد قطب بين العالم الإسلامي بشكل عام والمجتمع المطبق للشريعة  ويقول: (.. وإن يوم الخلاص لقريب وإن الفجر ليبعث خيوطه، وإن النور يتشقق به الأفق، ولن ينام هذا العالم الإسلامي بعد صحوته ولن يموت هذا العالم الإسلامي بعد بعثه، ولن تموت العقيدة الحية التي قادته في كفاحه) إ. هـ (في ظلال القرآن جـ2 صـ940) فهل هذا كلام مَن يكفر الشعوب أم من يحرص عليها ويضع أمله فيها، ويعرف مواطن الضعف والقوة.
13
سيد قطب يفرق بين الأمة المسلمة كديانة وبين الأمة المطبقة للشريعة ايضاً (وقد بهتت صورة الزكاة في حسِّنا وحسِّ الأجيال التعيسة من الأمة الإسلامية التي لم تشهد نظام الإسلام مطبقًا في عالم الواقع ولم تشهد هذا النظام يقوم على أساس التصور الإيماني والتربية الإيمانية)إ. هـ (الظلال سورة البقرة الآية 177)
فالأستاذ سيد وصف الأمة اليوم بالأمة الإسلامية رغم أنه يراها أمة تعيسة ولم تطبق أحكام الإسلام في واقعها، فلم ينف عنها إسلامها.
14
هنا يبين سيد قطب بالتحقيق معه الفرق بين المسلم المنتمي للجماعة وبين المسلم العادي هنا يبين أنه لا يكفر أحد من الناس: س: فلم التمييز بين أفراد هذه الجماعة وبين المسلمين قاطبةً وهم جميعًا أصحاب عقيدة وأهداف وبرنامج؟
أجاب: التمييز- في رأيي- ليس تمييز شخص على شخص، ولكن فقط باعتبار أن الجماعة ذات برنامج، وأن كل فردٍ مرتبط بهذا البرنامج لتحقيق الإسلام عمليًّا، وهذا هو وجه التمييز في رأيي (لماذا أعدموني)
15
الشيخ فيصل مولوي رحمه الله يذكر نص لسيد قطب يفرق بين الأمة وبين الفرد وتطبيق الشريعة في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال: (والذين آمنوا ولم يهاجروا، ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر، إلا على قوم بينهم وبينكم ميثاق). يقول سيد قطب: (فهؤلاء الأفراد ليسوا أعضاء في المجتمع المسلم, ومن ثم لا تكون بينهم وبينه ولاية, ولكن هناك رابطة العقيدة) فالسيد قطب لم يحكم على هؤلاء المسلمين بالردة مع أنهم يعيشون خارج المجتمع المسلم, واحتفظ لهم بصحة العقيدة, وذلك هو الموقف الصحيح لأن الله تعالى وصفهم بالايمان .
16
هنا يبين سيد قطب أن الأصل بالمسلم الإسلام بظاهره وهذا الكلام بسورة النساء وآخر سور فسرها قبل الإعدام رضي الله عنه  في تفسير قوله تعالى في سورة النساء: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا…) يقول السيد رحمه الله: (يأمر الله المسلمين إذا خرجوا غزاة, ألا يبدأوا بقتال أحد أو قتله حتى يتبينوا, وأن يكتفوا بظاهر الإسلام في كلمة اللسان, إذ لا دليل يناقض كلمة اللسان) فيقول الشيخ فيصل مولوي :(السيد يكتفي هنا بظاهر الإسلام في كلمة اللسان، ويعتبر الانسان بذلك مسلماً معصوم الدمّ، ولوقلنا أنّ سيد قطب يعتبر المؤذن مرتداً بمعنى الكفر واستباحة الدم، لكان هذا متناقضاً مع ما ورد في تفسير هذه الآية عند السيد قطب نفسه رحمه الله).
17
هذا ملخص للموضوع وبإذن الله قريباً سأكتب مقال تفصيلي بهذا الموضوع (تهمة سيد قطب والتكفير) وبعده كتاب سيد قطب شبهات وردود أعانني الله عليه