بورتريه

جبران تويني.. هل أتاك “حديث بيروت”..؟

لا تستطيعُ أبداً أن تُنكرَ عليه إقدامه وشجاعته حين يتصل الأمر بالحرية، جريدته لعبت دوراً رائداً في تحديث الإعلام المكتوب، وكانت لفترة طويلة ملجأً لمعارضي أنظمة القمع في دنيا العرب، الهاربين من جحيم كتم الآراء المختلفة وطمسها إلى فضاء مفتوح يسمح لهم بالتعبير عن حقهم في الإعتراض على ما يرونه خطأ.
في مثل هذا اليوم من العام 2005 أُغتيل “العدو الأول” لوصاية “حزب البعث السوري” على لبنان بسيارة مفخخة على يد من لم يجد سوى “المفخخات” وسيلة للتعبير عن الاختلاف مع صاحب الرأي.
في ذلك اليوم طلع “النهار” مجللاً بدمه، فجلّل الحُزن بيروت. 
جبران تويني رئيس مجلس إدارة صحيفة “النهار” اللبنانية العريقة من مواليد 1957.. ونائب سابق في البرلمان عن مقعد بيروت الأرذوكسي المسيحي على لائحة تيار المستقبل.. والده المفكر والسياسي الراحل غسان تويني.. ووالدته الشاعرة الراحلة ناديا تويني.. يحمل إجازة من المعهد العالي للصحافة في باريس.. وشهادات عليا من معاهد أخرى.. 
نشأ جبران وترعرع في كنف عائلة آمنت بقيم الإنسان عقيدةً ومسلكَ حياة، فجاءت مقالاته معبرةً عن مدى التزامه بهذه القيم: “مادام ضميري مرتاحاً.. لستُ خائفاً” يقول جبران.
كان الخطر ملازماً له منذ مراهقته.. فحين كان احتياطياً في الجيش اللبناني تعرض لاطلاق نار من فلسطينيين عند مغادرته مبنى “النهار” عائداً الى ثكنته العسكرية.. وتعرض للاختطاف من حزب “الكتائب اللبنانية” وعاش على حد الحروب اللبنانية بين عامي 1979 و 1990 وتعرض خلالها لملاحقات وتهديدات وقُصِف منزله.. وحاول مسلحون احتلال مبنى صحيفته.. بعدها غادر الى فرنسا إثر دخول الجيش السوري عام 1990 . 
معروف بمواقفه المناهضة للنظام في سوريا، واشتهر بمقالاته اللاذعة ضد حكم “الأسد” الأب والإبن.. وكان من الشخصيات البارزة في انتفاضة الاستقلال الثانية التي أنهت الوصاية السورية على لبنان بخروج الجيش السوري من الأراضي اللبنانية في أعقاب اغتيال رفيق الحريري عام 2005.
افتتاحياته كانت تنطق بما في قلب كل لبناني من العامل الى الطالب الجامعي الى السياسي..  لذلك قررت “مخيلة شيطانية” أن تتخلص منه لإسكاته.. غضِب لموته حتى المتخاصمون معه لأن “شظايا” عملية اغتياله ضربت آراء المختلفين معه في مقتل فسفهت آراءهم فجأة، وجعلتهم كمن يدافع عن الجريمة.. فلا حُجة تصمد أمام الدم.
قَدر جبران أن يكون “قرباناً” على مذبح الحرية.. فهل أتاك َ “حديث بيروت” يا جبران..؟! مازال لبنان تحت وصاية النظام السوري.. خرج جنوده نعم.. بيد أن له أذرعاً “لبنانية” تتحكم بمفاصل الاستحقاقات السياسية وتُخضِع الانتخابات الرئاسية لاعتبارات إقليمية وطائفية.