كتاب سبر

سمن كلبك يأكلك

يذكر دكتور علي الوردي في كتابه “قصة الأشراف وابن سعود” أن الملك عبدالعزيز استعان بالاخوان في حروبه التي انتهت بتأسيس الدعوة السعودية الثانية، وكما يقول الوردي فإن ابن سعود عانى من تشدد الإخوان الديني، وبشكل خاص مع حجاج بيت الله، وكادت تقع مذبحة كبيرة عندما تعرض مجموعة من متطرفي الاخوان للمحمل المصري الذي كان يذهب إلى موسم الحج حاملاً كسوة الكعبة. اتبع ابن سعود مع الاخوان في البداية مبدأ التسامح والتساهل، فكان يقول دائماً “هؤلاء أولادي وواجبي إحتمالهم، وأني لا أنسى أعمالهم”، ولكن أبن سعود وجد أن تطرفهم قد أشتد، بل وصل بهم الحال إلى التمرد على ابن سعود نفسه، وكان في مقدمة هؤلاء فيصل الدويش الذي أوشك أن يهدم قبة النبي برميها بالمدفعية لأنها من البدع كما يعتقد، وفي الأخير اضطر ابن سعود لقتال الاخوان في معركة وقعت عام 1929، وانتهت بهزيمة الاخوان وأسر فيصل الدويش، واستسلام حليفيه سلطان بن بجاد وضيدان بن حثلين وهما من كبار المتشددين
كأن الزمن يعيد نفسه هذه الأيام، فالدول الغربية التي رعت وساعدت داعش وأخواتها من الجماعات التكفيرية المتطرفة ها اليوم هي تكتوي بنارها، وأخر حوادث الاكتواء بنار الفكر التكفيري ما حدث في باريس قبل أيام من هجوم الأخوين كواشي على مجلة شارلي أيدو وقتل 12 فرنسي منهم عشرة صحفيين وصحفيين، والأخوين كواشي كانا مدرجين على لوائح الإرهاب الفرنسية والأمريكية ولهما ارتباط بداعش وتدرب أحدهما في اليمن، وبعدها بيوم واحد قَتل أربعة فرنسيين في متجر يهودي على يد شريك الأخوين وأسمه كولبالي. بعد أن وقع الفأس في الرأس أعلنت السلطات الفرنسية أن هناك 300 فرنسي يقاتلون في صفوف داعش في سوريا. إذا كان شخص واحد من هؤلاء الثلاثمائة أرعب فرنسا وأوقفها على قدم واحدة، فكيف سيكون حالها إذا قام العشرات من هؤلاء بمثل ما وقع مع شارلي أيدو؟! المفارقة أن التظاهرة التي جرت في باريس للتنديد بالإرهاب حضرها رئيس الوزراء الإسرائيلي “المسالم جداً” نتنياهو.
من الواضح أن الدول العربية والغربية على حد سواء لا تتعلم من تاريخ الاستعانة بالجماعات المتطرفة التي تحاول بعض الدول وأجهزة الاستخبارات الاستفادة منها للإضرار بخصومها، ولكنها سرعان ما ترتد هذه الجماعات على صاحبها محاولة افتراسه. وما يحدث في سوريا وليبيا وأفغانستان خير شاهد على ذلك. وحتما أن الدور سيأتي على بقية الدول الداعمة للجماعات التكفيرية الإرهابية، وإن غداً لناظره لقريب. يمكن اختصار علاقة الدول التي تغذي الإرهاب بالمثل العربي “سمن كلبك يأكلك” ومن الواضح أن الكلاب كثيرة وهي متلهفة لافتراس مربيها.
د. صلاح الفضلي
salahma@yahoo.com
@salahfadly