كتاب سبر

سراب الإتيكيت الفرنسي

يعرف الإتيكيت بأنه فنّ ممارسة الحياة اليومية بأرقى الطرق وأبلغها لباقة وتهذيبًا. ويعبّر الإتيكيت عن تقاليد وعادات مدروسة تتبعها طبقة إجتماعية معيّنة ، عادة المخملية ، بغية التميزعن الآخرين. والإتيكيت الفرنسي يكاد يكون أشهر أنواع الإتيكيت وأوسعها نطاقا ، ولهذا يتهافت كثير من نسائنا على تعلم أصوله وقواعده والاقتداء به ، اعتقادا منهن أنه رمز التحضر والرقي. فهل حقا فرنسا هي رمز للحضارة والرقي ؟ دعونا نقلب صفحات التاريخ المعاصر بإيجاز لنتعرف على الوجه الحقيقي لفرنسا وجرائمها بحق العالم الإسلامي.
يقول محمود شاكر أن فلسفة الاستعمار، أو الاستعباد ، تتلخص في التدخل في البلاد الإسلامية ، ليس بهدف نهب الثروات أو التبشير فحسب ، بل لوأد وسحق أي محاولات جادة  لنهوض الأمة من كبوتها ، بعد ترصد أية مؤشرات دالة. 
ويضرب مثالا على ذلك نهضة مصر الإسلامية التي بدأت تعم عدداً من الأقطار الإسلامية في أوائل القرن الحادي عشر الهجري ، وكان من روادها عبد القادر البغدادي والجبرتي ومحمد بن عبد الوهاب والمرتضى الزبيدي  والشوكاني وغيرهم ، فقد كان كل واحد من هؤلاء في موطنه معلماً من معالم النهضة الجديدة. وهذه النهضة وإن كانت متباعدة جغرافيا فإنها كما يصفها محمود شاكر ” قريبة التواصل وشيكة الالتئام “. على إثر هذه الإفاقة أرسلت نذر الاستشراق في بلاد المسلمين إلى أوربا تحذيرات مطالبة إياها بالتحرك العاجل لطمس بوادر النهوض ، فانبرى إمبراطور فرنسا نابليون بتدشين حملة ضخمة لغزو واحتلال مصر حاضنة النهضة الإسلامية حينها ، فعاث في مصر الفساد ، ونهب خيراتها ، واضطهد أبنائها ، فتصدى له العلماء وتلاميذهم فأحدث فيهم القتل والترويع وفي كل من يناوئ الاحتلال ، حتى أنه كان في كل يوم يقتل خمسة أو ستة من الثائرين ، ويطاف برؤسهم في شوارع القاهرة ، كما حكاه الجبرتي في تاريخه. ونتيجة للضغط الشعبي الذي قاده علماء الأزهر اضطرت فرنسا مغادرة مصر بعد نهب أنفس كتب علماء المسلمين.
ويروي علال الخديمي جانب من بربرية الإستعباد الفرنسي أثناء احتلال المغرب في مطلع القرن العشرين ، الذي استباح الدار البيضاء لثلاثة أيام ، حتى لم يبق فيها ما يُسرق أو يُقتل أو يُغتصب ، حيث كانت المدينة تضج بالحياة والحركة ، وبها ثلاثون ألف نسمة تحولت إلى مدينة مهجورة ، يحاصرها الموت والدمار من كل جانب. وتم بهذه المناسبة إصدار طابع بريدي للجيش الفرنسي يظهر فيها رؤوس مقاومين مغاربة وقد صفت على حائط جداري.
ولم تقل وحشية الإستعباد الفرنسي في الجزائر عنه في المغرب ، فقد ارتكبت فرنسا مجازر تاريخية بحق الشعب الذي كان يدافع عن دينه وبلده حتى فاقت أعداد القتلى المليون ، وكان الجنرال الفرنسي شان يتفاخر بهذه الهمجية بقوله ” إن رجاله وجدوا التسلية في جز رقاب المواطنين من رجال القبائل الثائرة في بلدتي الحواش وبورقيبة”.
وفي عام 2013 أرسلت فرنسا قواتها العسكرية إلى جمهورية مالي وقادت حملة إبادة جماعية ضد المسلمين تحت غطاء الجيش المالي أسفرعن مقتلة عظيمة ، حيث امتلأت الآبار بالجثث وعجت الشوارع ، جعلت منظمة هيومن رايتس تصدر بيان إدانة شديد اللهجة.
وعلى الصعيد المحلي فإن فرنسا تمارس تمييزا مذهبيا ضد الجاليات المسلمة ، خاصة فيما يتعلق بموضوع النقاب والحجاب وإجبار التلاميذ في المدارس على تناول لحوم مذبوحة على غير الشريعة الإسلامية وحظر المهندسين المسلمين من الدخول لمنشئات حيوية وغيرها حسب ما أوردته مصادر إخبارية.
ما سبق سرده يبقى غيض من فيض مسلسل جرائم فرنسا بحق شعوب الأمة الإسلامية ، والتي لا تزال تحيك الدسائس والمكائد لها ، آخرها أحداث صحيفة شارلي ايبدو ، فإن سياق ووتيرة الأحداث وردود أفعال الحكومة الفرنسية والمجتمع الدولي المنسقة حيال الهجمات المزعومة يوحي بأن طبخة ما يجري التحضيروالإعداد لها حسب مخطط  لإجهاض ما تبقي من الربيع العربي ، ومن أراد الاستزادة فليتابع مقالات الصحفيين المخضرمين ديفيد هيرست وتيري ميسان بهذا الشأن.
د جاسم الفهاد
19 يناير 2015