كتاب سبر

أزمة “المثقّف”!

إن المجتمعات التي تمرّ بتحوّلات كبرى تواجه بشكل طبيعي عدة أزمات، ومن أهم تلك الأزمات أزمة الفكر والثقافة، فأول ما يواجهه المجتمع كإرهاصات طبيعية متوقّعة الأفكار الجديدة، فيبدأ في مقاومتها ويأخذ موقف الدفاع مباشرة وأول ما يتصدى لتلك الأفكار الجديدة هو “مثقّف” الأفكار القديمة وهنا يقع ذلك المثقّف في أزمته!
إن مثقفي المجتمع هم في الغالب جزء من مشكلته، فنمط تفكيرهم ورؤيتهم للأمور وتعاملهم مع الواقع ومع المصطلحات الجديدة ينحاز دائما للتقليدية والتحرك في قوالب فكرية ضيّقة، تحدد تلك القوالب الكثير من المحددات والحواجز الفكرية والثقافية، فالمثقّف ممن يعاني من آفة النمطية والتقليدية وتغلب عليه العادة وما ألفه من طريقة في التفكير والقراءة للواقع، ونتيجة لكل ذلك وغيره يكون “المثقّف” القديم التقليدي قد أحاط نفسه بسياج من التقليدية الرافضة لأي أفكار جديدة ما يجعله في موقف الدفاع بشكل تلقائي عن الأفكار القديمة البالية بحيث علم أم لم يعلم، لدرجة تستدعي أحياناً التعاطف من أجله كونه ضحيّة لمجتمعه أكثر من كونه خصما للأفكار الجديدة.
وبطبيعة الحال ينقسم “المثقّفون” في المجتمع ذي الأفكار القديمة وينحازون لنفس الانحيازات الموجودة في المجتمع، فتجد مثقفي السلطة انحازوا للسلطة ومثقفي الأحزاب انحازوا للأحزاب ومثقفي الأيديولوجيات انحازوا لأيديلوجياتهم ومثقفي المصلحة انحازوا لمصالحهم وهكذا ولا عجب، فكما قلنا أن “المثقّف” في المجتمع المأزوم بأفكاره القديمة يعيش نفس أزمات مجتمعه ومشكلاتهم وتنمّط بحسب طريقة التفكير التي تبقي وتحافظ على شكل الحياة وسيرها وإن كانت متأزّمة.
ومثال ذلك في مجتمعنا الكويتي مثلا نجد أزمة “المثقّف” مع مصلطح “الحكومة المنتخبة” ولننظر كيف يتعامل “المثقّف” من كل فئة مع هذا المصطلح الجديد بحسب انحيازاتهم التي عددناها، لتجد أن مثقّف السلطة يرى في الحكومة المنتخبة عدواً للأسرة ونظام الحكم، ومثقّف الأحزاب يختلف بحسب رؤية كل حزب فحزب يراها فكرة غير مؤاتيه وقبل أوانها، وحزب يراها غير ضرورية ويمكن إصلاح الوضع القائم، وحزب يتبناها، كما أن مثقّف الأيديلوجي يختلفون باختلاف انقساماتهم فالإسلامي بعضهم يراها من المحرمات كونها تقوم على الأحزاب وما تؤدي له من شقاق وفرقه بحسب رؤيته، ومنهم من يراها مخالفة “لولي الأمر”، ومنهم من يراها من المباحات وربما الواجبات حين تناسب وضعه الحزبي، أما غير الإسلامي فأصناف كذلك فمنهم من يرى أن فكرة “الحكومة المنتخبة” غير مدنية وغير ديمقراطية لأنها لم تخرج منه، ومنهم من يراها وسيلة للقضاء على أفكاره الضيّقه ورؤيته الأيديلوجية للدولة ونظامها الاجتماعي والاقتصادي، ثم نرى مثقف المصلحة يتقلب في مواقفه بين الرفض والتأييد بحسب المقابل الذي يتلقّاه والتحالفات التي يتحوّل فيما بينها.
كل الأمثلة السابقة موجودة في مجتمعنا، ظاهرها الاتفاق على إشكالية “الحكومة المنتخبة” وباطنها الأزمة التي يعيشها “المثقّف” الذي أصبح جزء من المشكلة وليس جزء من حلها، ورغم الأسف على حال ذلك “المثقّف” إلا أنه علينا أن نقبل بهذه الطبيعية عند حدوث التحوّلات وعلى المجتمع أن يحطّم تلك النمطية في التفكير وليبدأ أول ما يبدأ في حارس الأفكار البالية “المثقّف”!