بورتريه

بورتريه
مسلّم البراك.. من يُمسك “أعِنّة” الكلمات حين تثور من أجله..؟!

ينتابك “الحَرَج” حين تنوي الكتابة عنه وليس أمامك سوى كلمات لا تملك القواميس غيرها.. كلماتٌ لم تبتكر اللغة العبقرية أشكالاً جديدة منها منذ أيّام “المعلّقات”.. حتى صارت بعض الكلمات تحتكر لغة التعبير كما لو كانت موظفةً لا تتقاعد.. وصرنا نُحسُّ بأنّها كلمات منمّقة أنيقة وتعمل بين المفردات مثل موظفي “المراسيم”.. لها زي وموسيقى وطبول وأبواق وإيقاع واحد.. كلمات مُستَهلَكةٌ مُستعمَلة.. ملّت من إرغامها على الوقوف أمام جَلال الملوك والأمراء والأباطرة، ومرّت عبر عمرها المديد بمئات العظماء والزعماء عبر التاريخ.
واليوم.. وعن هذا الرجل لا ينبغي أن نأتي بكلمة واحدة مرّت على ملك أو أمير أو رئيس أو زعيم.. لأن من نتحدث عنه أكبر من كل ملوك العالم وأبهى من كل أمراء الدنيا وأهم من أهمِّ رئيس وزعيم كل زعيم.
وأنا لا أرغب في أن أمنح الكلمات القديمة التي خدمت بروتوكولات الممالك والامبراطوريات شرف حمل المشاعر والمشاعِل، وسنتركها تتلوّى حُرقةً وتتمنى أن تترك وظيفتها وتخلع نَياشينها وترمي طبولها وأبواقها وتنشقُّ عن اللغة والقواميس لتحلم أن تقف بين يدي رجل من رجال الشرق الذين يمرون في التاريخ مرّة كل عدة قرون.. لذلك ليس لنا من بُد سِوى أن نطلب من “تكنولوجيا اللغة” أن تُصمّم لنا كلاماً جديداً مصبوباً من ماء ونار وهواء وتراب. كما الوجود.. كلام يليق بـ “مسلّم البراك”..!
“أبو حمود” يستحقُّ أن يُدرّس كظاهرة استثنائية في المعارضة الوطنية النقية من شوائب “المصالح الشخصية”.. فوّضه “شعبه” لإدارة وقيادة صراع من أعقد الصراعات في تاريخ الكويت ضد “السُّلطة” و “المتنفذين” و “الفاسدين”.. حُبُّ الشّعبِ له حطّم نظريات علم “سيكولوجيا الجماهير”.. فإيمان الناس بالأشياء الفطرية وبالصدق النقيّ والعفويّ يغلب كل محاولات التزييف، فتمسّكوا به وبنهجه الوطني.. “عبقريّة” سياسية و “كاريزما” إلهية تشبّثت دوماً خلال عملها البرلماني والشعبي بالمصلحة الوطنية العُليا.
“مُذهل” في صبره ورباطة جأشه وشجاعته وبأسه الشديد على الفاسدين والظالمين.. حتى بدا أن خصومه هم الذين يتعرّضون للضغط النفسي الهائل ومتوتّرون من قدرته على احتمال أذى “السُّلطة” وأذرعها الأمنية لأنه آمن بـ”شعبه”.. نعم شَعبِه..  فـ “مسلّم” دولة لها أرض وسيادة وشعب. 
رجلٌ غير عادي وصل في زمن استثنائي، ووقف على مفترق طرق الزمن والتاريخ ليواجه ذروة ما وصل إليه العقل الشرير الذي بدأ يتصرف وكأنما أصابه مسّ من الجنون والهستيريا. مشكلتهم معه أنه لا يُداهن ولا يتملّق ولا يُجامل ولا يَهاب وهو الأكثر جسارة في تاريخ المعارضة الكويتية ولم يكن مُستغرباً أن تختاره صحيفة “النيويورك تايمز” كثالث أقوى معارض سياسي على مستوى العالم يقف ضد الفساد وسرقة الأموال العامة.
في خطابه الشهير “كفى عبثاً” المُعتقل بسببه اليوم تنفيذاً لحكم صدر ضده بالسجن عاميْن، اختار “مسلّم” وَعر الطريق، ومهّد للمعارضة سبيلاً ما كان يوماً مطروقاً ولا السّير فيه سهلاً، وبدا وكأن قَدراً اختاره لـ قَدَر الوقوف ضد الفساد المالي والإداري وقمع الحرّيات، وكانت كلماته دائماً مُلهِمةً للناس في هذه الأيام السوداء التي تمر بها الكويت، حتى صار كل مواطنٍ ينشد الحريّة والإصلاح والخلاص من الفساد مَديناً لـ “مسلّم” الذي أعطاهم دروساً في “الشجاعة الأيديولوجية”..! 
 لا أحد يملك نواصي الحروف ولا أقدارها حين تكون عن مسلّم البراك، ولا أحد يستطيع الإمساك بأعنّة الكلمات ويهدّئها حين تثور من أجله وتضرب بحوافرها سجون الصدر وسياج العقل.
لكن وعلى الرغم من ذلك عذراً مسلّم البراك فحتى اللحظة لم تصلنا كلمات تستحقّ أن تُمنح شرف الوقوف بين يديك، وتكون مصمّمة لأول مرة لك وحدك.. ولم يَسبق لها أن خرجت من مصانع اللغة قبل اليوم.. ولم تعرف اسم قائد اسطوري قبل اليوم.. ولم تتوصّل إليها هندسة جينات الأبجديّة.. ولم يُنجبها شِعر أو نَثر.. ولم يتم إذلالها بين يدي ملوك ورؤساء وتنحني لتقبّل النّعال في بلاط أو قصر.. أو تهمي على يد تاجِر… بل نحتاج من أجلك يا “مسلّم” إلى كلمات تعانق الأبطال وتهديهم قطعاً من قلبها الماسي.
عذراً “أبو حمود” على تعثّر اللغة التي تلعثمت في حديثها عنك.. لأننا لا نزال ننتظر كلاماً لم يَصِل بعد.. كلام لا يزال في بطن لغة الإلياذة التي تزوّجت الشعر الملحمي لـ”هوميروس” وتنتظرك يوم “الخَلاص” مع شعبك العظيم يا “ضمير الشعب كله”..!