كتاب سبر

هوشة قصابين

“عراك قصابين” مثل مشهور في العراق يطلق على الشجار أو الخلاف الذي يقع بين طرفين متفقين في الباطن ومختلفان في أمور شكلية أو سطحية، وقد يتوهم من يرى منظر الطرفين والدماء تلطخ ملابسهما والسكاكين والسواطير الحادة تلمع من خصر كل واحد منهما أن معركة حامية وقعت بينهما، ولكن الحقيقة أن هذه السكاكين والسواطير معدة لذبح النعاج والخرفان وليست للعراك بينهما، والدماء التي تلطخ ملابسهما هي دماء الخراف المسكينة المغلوبة على أمرها.
هذا المثل ينطبق تماما على ما أشيع عن خلاف عميق وقع بين الرئيس الأمريكي أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على خلفية موقف كل منهما من البرنامج النوري الإيراني، ولإيهام المشاهدين لجأ القصاب الأول نتنياهو إلى شحذ سكاكينه وذهب ليلقي خطاباً نارياً تحريضياً ضد الاتفاق الامريكي- الايراني المزمع، وفي المقابل قلل القصاب الثاني أوباما من خطاب نتنياهو واعتبر أنه لم يأت بجديد.
ما يقال عن خلاف بين أمريكا وإسرائيل هو مجرد “كلاوات”، فكلاهما أهل كار واحد، وهما متفقان على 99? من الأمور، ويبقى 1? لزوم التشويق والبهرجة وذر الرماد في العيون، فكلاهما يذبح خرافه من دون رحمة، ولكنهما قد يختلفان في كيفية تقطيع أوصال الذبيحة، فريما أحدهما يفضل أن يقطعها إلى قطع كبيرة، بينما الأخر يتلذذ بأكلها كقطع صغيرة، والحاصل أنهما وجهان لعملة واحدة. ومجرد معرفة أن المساعدات التي قدمتها إدارة أوباما لإسرائيل وعدد المرات التي استخدمت فيها أمريكا الفيتو في مجلس الأمن لحماية إسرائيل ضد أية إدانة حتى ولو كانت شكلية يدرك أن هذه الإدارة لا تختلف عن سابقاتها، بل ربما فاقت سابقاتها في حجم الدعم المقدم لإسرائيل، وخطاب نتنياهو الاخير في الكونغرس شاهد على ذلك فهو أقر عرفاناً بالجميل بأن أوباما لبى له كل طلباته وزود اسرائيل بكل انواع الأسلحة التي استخدمتها اسرائيل في عدوانها على غزة الصيف الماضي.
“عراك القصابين” أو “هوشة القصابين” يعرفها أي متابع عادي للسياسة، في حين يظهر بعض “الخبراء العرب” المتفذلكين على القنوات القضائية ليطيل ويسهب في الحديث عن عمق الخلاف بين نتناياهو وأوباما، وهؤلاء “الخبراء الاستراتيجيون” بتاع كله وهم مثل تلفون العملة الذي كلما وضعت فيه نقود يتكلم.
نحن لا نعتب على القصابين لأن مصدر رزقهما هو ذبح الخراف، ولكن العتب على الخرفان التي تستعد للذبح على يد أحدهمها بينما هي تعلق الآمال على وقوع شجار بين القصابين أو حين تعتبر الخرفان أن أحد القصابين أرحم من الأخر وتستنجد به لحمايتها من القصاب الأخر “الشرس”، في حين أن القصاب “الصديق الرحيم” قد يكون أخطر من “القصاب الشرس” لأنه نادرا ما يقتل بيده، وإنما في الغالب يحرض الذئاب على قتل الخرفان حتى يأكل الفريسة دون عناء، ولعل قيام الطائرات الامريكية مرات عدة باسقاط مساعدات واسلحة في مناطق داعش في العراق وسوريا “بالخطأ ودون قصد” رغم أن أمريكا تقول أنها تقود حلف دولي ضد داعش، وأن الأمر قد يستغرق ثلاث سنوات خير شاهد على خطورة القصاب “الصديق”. لا اعتقد أن أحد يمكن أن يصدق هذه الكلاوات إلا الخرفان والأبقار الغبية. خلاصة القول إنها “عركة قصابين”.