كتاب سبر

الوجه من الوجه أبيض

بعد قرار النائب العام حفظ البلاغ المقدم من قبل الشيخ أحمد الفهد الذي يتهم فيه كل من رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد ورئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي بتهم خطيرة، مثل التآمر مع دولة أجنبية والتخطيط لقلب نظام الحكم وغسيل الأموال، بعد قرار الحفظ كان تعليق أحمد الفهد الأول هو “الوجه من الوجه أبيض”، وهي عبارة شعبية دارجة تنطوي على التهديد المبطن وتعني “أعذروني على اللي راح أسويه”.
السؤال ما الذي يمكن أو يستطيع أحمد الفهد فعله بعد أن تم إقفال باب القضاء أمام مسعاه لفضح “مخطط المؤامرة” حسب زعمه. يبدو أن الأمور لا تسير في صالح أحمد الفهد في الوقت الحالي، فتحالف ناصر المحمد وجاسم الخرافي يبدو قوياً ومتماسكاً، وهذا التحالف يحظى بدعم واضح من أصحاب القرار، وتصدر المحمد والخرافي للصفوف الأمامية في المناسبات الرسمية في مقابل الغياب التام لأحمد الفهد دليل واضح على ذلك. من الواضح أن هناك حصار رسمي لوسائل الإعلام التي يمكن لأحمد الفهد أن يستخدمها، فقد تم إغلاق قناة اليوم وجريدة عالم اليوم بعد إلغاء ترخيصها قبل أشهر عدة، وتم إغلاق جريدة الوطن بدعاوى قضائية، وهناك كلام عن إغلاق قناة الوطن الفضائية، ولا يبدو أن لأحمد الفهد من يمكن أن يتعاون معهم ضد خصومه بعد أن ضعفت كتلة المعارضة التي كان يعول عليها بشكل كبير. لكن في المقابل لا يمكن الاستهانة بما يمكن أن يفعله أحمد الفهد، فهو ليس من النوع الذي يستسلم بسهولة، وهو يملك شبكة علاقات اجتماعية واسعة مناوئة لتحالف المحمد-الخرافي، وأحمد الفهد يملك كذلك المال الوفير الذي يمكن أن يستميل به “القلوب”، وهو أيضاً يعرف الكثير من الخبايا والأسرار، وهو يعرف جيداً طريقة اللعب السياسي، وهي عوامل قد تساعده في قلب الطاولة على خصومه.
صراع النفوذ والرغبة في الوصول إلى الحكم مرتبط بشكل كبير بالصراع على المال، والذي شهدنا قبل أيام فصلاً من فصوله نتج عنه استقالة وزير الاشغال عبدالعزيز الإبراهيم المحسوب على محمد الصقر، بعد تصريح الوزير أنه يدفع ثمن وقوفه ضد الفساد بعد أن أنتشرت معلومة عن وعد لبعض النواب لقبض مبالغ مالية طائلة مقابل طرح الثقة بالوزير الإبراهيم، وأغلب الظن أن الإطاحة بالوزير مرتبطة بإلغائه مناقصة المطار الجديد والتي كانت مجموعة الخرافي على وشك الفوز بها بمبلغ مليار و365 مليون دينار. المعلومات المتداولة أن إسقاط الإبراهيم جاء بتوافق من فريق رئيس المجلس مرزوق الغانم ونيران حكومية صديقة مـن داخل الحكومة نفسها.
من يتمعن في المشهد الحالي لا يمكن أن يخلص إلا إلى نتيجة مفادها أن الأمور وصلت إلى محاولة كل طرف للفوز على خصمه بـ “الضربة القاضية” وليس بالنقاط، ولكن السؤال إلى أي مدى يمكن أن يصل إليه هذا الصراع المدمر بين جبابرة السلطة والمال؟ يبدو أن باب الاحتمالات مفتوح على مصراعيه ولا يمكن استبعاد الوصول إلى مرحلة الصراع الدموي. السؤال الأهم ما هو انعكاس هذا الصراع على النظام السياسي واستقرار البلد ونحن على اعتاب مرحلة جديدة؟ من الواضح أن لهذا الصراع أثار كارثية لم يعد يفصلنا عنها إلا القليل من الوقت، وعندها سوف تتحقق مقولة “الوجه من الوجه أبيض”.

د. صلاح الفضلي
salahma@yahoo.com
@salahfadly