كتاب سبر

البناء الفكري عند الإمام حسن البنا رحمه الله

شاهدت في أحد المرات لقاء مع أحد الرموز الإسلامية التي كانت تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين وهذا الرمز مع إنقطاعه عن الجماعة إلا انه مازال يحترم الجماعة وينصفها مع النقد لها والعتب بعض المرات ، وهذا الرمز وأمثاله لهم تقدير وإحترام من أبناء التيار مع خلافه لأن (الإخوان المسلمين) هو فكر أو تنظيم وليس دين له ولاء وبراء وإيمان وكفر، وما دام هذا الرمز وأمثاله يحملون الإنصاف للجماعة والتقدير لجهودها وإن اختلفوا معها فلهم المعاملة بالمثل والأفضل لأن الإنصاف مع الخلاف عملة نادرة ، وفي هذا اللقاء أشار الى قضية غريبة جداً ولم أتوقعها من شخص يحمل علم وفكر واضح مثله ومضى سنوات في الجماعة حيث قال باللقاء (يجب أن تجدد الجماعة فكرها فإلى متى تتمسك بالأصول العشرين مثلاً) وهذا ما أثار تعجبي ودهشتي حقيقة !! ليس لأن الأصول العشرين لها قدسية وأن منهج الإمام حسن البنا (خط أحمر لا يمس) ! لكن لنطرح التساؤل والطلب بمنهجية علمية دقيقة ماهو الشئ الذي يوجد بالأصول العشرين الذي يجب تغييره !؟ أو أنه لا يواكب ؟! فهنا نستطيع التفهم للقضية أما مجرد طرح التساؤل والطلب دون أي تبرير أو بيان فهنا لابد من وقفة مع هذا الرمز العزيز فأقول: 

 – الأصول العشرين التي وضعها الإمام حسن البنا هي عبارة عن بحث فكري لإيجاد منظومة فكرية (جامعة شاملة للأمة) وكونها عشرون أصل لا يعني هذا الأمر يرمز لأمر معين بل هو نتيجة إستقراء مثل الأصول الثلاثة والقواعد الأربع للإمام محمد بن عبدالوهاب أو غيرها من المباحث ، فليست مقدسة أو ينحصر الفكر بها بل هي بالنهاية عمل إجتهادي ونقدنا للرمز ليس لمجرد النقد بل عدم تبريره للنقد.  
– الأصول العشرين ظهرت بأجواء بعد سقوط الخلافة العثمانية وما حدث للأمة وقتها من مشكلات فكرية من داخل الأمة أو خارجها فكانت طريق وسطي لحل هذه النزاعات التي مزقت الأمة بمختلف القضايا الفكرية.  
– عالجت الأصول قضية شمول الإسلام لكل مناحي الحياة ووقتها كانت هذه الكلمة غريبة! فالواقع يثبت وجود علمانية أو متدين صوفي أو متدين سلفي يقوم بتخريج الأحاديث وتصحيح بعض المسائل في العقيدة فقط لاغير !!، والغفلة عن منهجية الدين الشاملة لكل الحياة ، الى ان بات هذا الأمر في الواقع المعاصر له قبول عريض وباتت التيارات الإسلامية التي تحرم السياسة مثلاً تدخل فيها !.  
– عالجت الأصول مصدر التشريع ونظرية المعرفة في الإسلام من خلال الرجوع للقرآن طبقاً لقواعد اللغة والحديث من خلال رجاله الثقات وآمنت بمنهج وسطي بالكشف والرؤى والإلهام ولكن ليست ادلة واجبة فهي لم تمنع منهم وبنفس الوقت لم تقدسهم   – ظهرت سلفية البنا من خلال التعامل زيارة القبور وشدد على البدع فيها وما يحصل ، والتعامل مع الصالحين وعدم تقديسهم وكذلك الإيمان بالاسماء والصفات دون تعطيل لها او تأويل .  
– ذكر منهجية رائعة بمسألة التقليد في الفقه بين اللامذهبية والمذهبية المتطرفة فأرشد للتمذهب مع أخذ الدليل من المخالف ان صح وكذلك بمسألة التوسل أبعدها عن مسائل العقيدة لما فيها من الخلاف حتى في مذهب الحنابلة مع اني اميل للتحريم وأغلب شراح الأصول ومنهم العلامة القرضاوي يميل للتحريم مع تقديره للرأي المخالف ، وللعلم نقول للفريق المخالف ان الإمام ابن عبدالوهاب يرى انها مسألة فقهية وليست عقدية.  
– حارب البدعة عموماً وحرص على الإلتزام بالهدي النبوي وجعل مسألة البدع الإضافية والتركية التي حصلت بها خلافات من أعلام مقدرة في تاريخ الأمة مسألة بحث ونظر وتمحيص كما قدر الخلاف الفقهي المحترم وجعل التقارب على أساس البحث المنهجي السليم والمحبة والتعاون .  
– تحدث عن العقيدة وكونها أساس العمل وبين أيضاً أن الدين يحترم القطعيات الشرعية والعقلية وان كان جعل الأولوية للشرع وهذه وسطية عالية من الامام البنا   
– تحدث عن الأعراف الخاطئة وإن العبرة بديننا بحقائق الألفاظ وليست بالألفاظ عينها وهنا ننظر الى شيخ الاسلام ابن تيمية كيف حارب التصوف وأنصفه بذات الوقت وأنصف رموزه واستخدم بعض مصطلحاتهم.  
– بين قضية التكفير بين غلو من يكفر وتساهل من يميع وجعل القضية إيمان بالشهادتين ولكن يجب العمل بهما وما تدلان عليه وهذا أيضا طريق وسطي واضح .  
وبعد إستعراض عاجل لأهم محاور الأصول العشرين نسأل ماهي الملاحظات التي توجب على الإخوان المسلمون مراجعة الأصول ؟ فإن كانت هناك ملاحظات جوهرية أو زيادات مفيدة يجب عرضها في إطار المنهج العلمي ، وكل منصف يقرأ الأصول يجدها كتبت بلغة علمية راقية ومحترمة ووسطية .