كتاب سبر

سعود عبدالعزيز العصفور يكتب..
حسن المسعودي.. وطفلته المدللة

بدأنا العمل في سبر، بداية عام 2011، قبل أن نتعرف عليه، وبعد فترة من العمل احتجنا إلى مدير تحرير متمكن ولديه من الخبرة ما يكفي لإدارة صحيفة ناشئة متمردة للتو أبحرت تتقاذفها أمواج الربيع العربي المتلاطمة، سألت الزملاء عمن يرشحون لهذا المنصب، وأهم ما كنا نطلبه هو “المهنية” والالتزام والقدرة على قيادة فريق كامل أغلبهم من الهواة، بعضهم للتو بدأ خطواته الأولى مع بداية الجريدة. المهمة لم تكن سهلة، كما كانت تبدو لنا، فصحف المعارضة “لعنة” تلاحق معتنقيها ومؤيديها فما بالك بمؤسسيها ومديريها! السقف أعلى بكثير مما تعودنا عليه في صحفنا الورقية، والتجربة بأغلب تفاصيلها جديدة ليس لها إلا سوابق معدودة غير موثقة جيداً للاستفادة منها. ثم طُرح أسمه، “حسن المسعودي”. 
هل هو قادر على أداء المهمة؟ هل يمتلك ما يكفي من المهنية للإلتزام بخط سير الجريدة وإن كان يختلف مع رأيه؟ بمعنى أبسط هل هو “محترف” بما فيه الكفاية؟ والأهم من ذلك؟ كيف هي إمكانياته الصحفية واللغوية مقارنة بأقرانه؟ الإجابات التي سمعتها من جميع الأطراف، تمتد من “نعم” إلى “لاشك في ذلك” وحتى “أخذ وأنت مغمض”. إجماع شبه تام على أنه الشخص المناسب والمؤهل لإنشاء ثقافة صحفية إلكترونية جديدة تعتمد “المهنية” و”الإخلاص” و”العطاء” للمؤسسة قاعدةً لها. ووفقنا الله بـ “حسن” ووفق الله سبر به منذ ذلك الحين حتى انتقلت روحه إلى بارئها. 
ما هي إلا أشهر معدودات حتى وجدنا في أبي يوسف ما هو أكثر مما تأملنا، وأفضل مما توقعنا، وأكثر كفاءة مما طلبنا، مما جعل ترقيته إلى منصب رئيس تحرير الجريدة أمراً حتمياً ومتوقعاً، فقد أصبح العمل في سبر يتمحور حوله ويبدأ حيثما بدأ وينتقل معه حيثما انتقل، وكان في رئاسته للتحرير هو ذاته حسن المسعودي، الشخص الذي يعامل سبر كطفلته المدللة، يغضب لغضبها، ويفرح لفرحها، ويفاخر بها إذا تفوقت على قريناتها، ولا يبخل عليها بأغلى ما يملك، وقته وصحته وفكره وإهتمامه.
نقل لي خبر إصابته بـ “السرطان” أثناء صراعه الأول معه، ولو لم نلح عليه بالسؤال، لما أخبرنا، فلم يتأثر عمله والتزامه به قيد أنملة، كان هو الحاضر الأول والمغادر الأخير، والمتابع القريب والمدقق العميق حتى وهو في أقسى درجات ألمه وحربه مع ذلك المرض الغادر الخبيث. وكتب الله له الشفاء بعد رحلة علاج ليست بالقصيرة، وشكرنا الله على حفظه لأهله ولأحبابه ولنا، فمثله من الصعب جداً تعويضه أو سد الفراغ الذي سيخلفه.
عاد من رحلة العلاج الأولى أكثر إصراراً على العطاء وأكثر حرصاً على المهنية والاحترافية وأكثر رغبة في تطوير طفلته المدللة ونقلها إلى مرحلة الشباب المتفجر بالحياة والنشاط والقوة، ولكننا لم نفرح طويلاً بعودته حتى علمنا بعودة المرض مرة أخرى وأنه قد يحتاج إلى السفر إلى الخارج لتكملة علاجه.
دعونا الله أن يمن عليه بالصحة والعافية وودعناه وداعاً إلى لقاءٍ قريب، ولم نكن نعلم أنه الوداع الأخير، رغم إصراره على أن يواصل عمله في سبر من هناك، رفضنا فازداد إصراراً، فقبلنا بشرط أن لا يكون ذلك على حساب صحته بأي شكل من الأشكال.
رحمك الله يا أبا يوسف، لم تكن موظفاً يؤدي عمله فقط، بل كنت مدرسة تعلمنا منها نحن الطارئون على المهنة الكثير، وكنت مثالاً نضربه لكل مستجد في جريدتك الإلكترونية التي غادرتها ولم تغادرك.
رحمك الله يا أبا يوسف، سيبقى مكانك في قلوبنا عامراً ما بقي في خلايا ذاكرتنا حياة، وما بقي في أعمارنا أمد.
رحمك الله يا أبا يوسف، ستفقتدك سبر وسيفقتدك محرروها ومراسلوها وموظفوها، وستبقى طفلتك المدللة مخلصة لذكراك إلى الأبد.
رحمك الله يا أبا يوسف، وأسكنك فسيح جناته.
بقلم/ سعود عبدالعزيز العصفور