كتاب سبر

أنا حزين

أعترف بأنني قرأت بضعة كتب وعشرات المقالات ومئات التغريدات واستمعت إلى آلاف النصائح عن السعادة وصناعة السعادة والتفاؤل والنظر إلى نصف الكأس المملوء بدلاً من النظر إلى نصفه الفارغ ، ولكنني رغم ذلك كله أجدني حزيناً ، فأنا كلما مررت بديار الحزن مقبلا ذا الجدار وذا الجدار نسيت كل ما قرأته وسمعته فطوفان الأحزان أقوى من سدود تلك النصائح .
أنا حزين لأنني استمعت ذات مرة لوافد آسيوي وكنت أحدثه عن السعادة وكيف يكون سعيداً ، فحدثني عن راتبه الذي لم يحصل عليه منذ ثلاثة أشهر ، وعن غرفته التي يشاركه السكن فيها تسعة غيره رغم صغرها وقذارتها ، وعن عائلته الصغيرة التي تنتظر حوالاته الشهرية فهو في نظرهم ذاهب إلى الجنة .
أنا حزين لأنني جلست مرة مع وافد عربي أحدثه عن السعادة وأنها يجب أن تنبع من داخلك لا أن تنتظر غيرك يهبها لك ، فحدثني عن المبالغ التي صرفها من أجل أن يحضر إلى هنا وكيف أنه قد باع كل ما يملك رغم قلته ليجد نفسه سلعة يتقاذفها تجار الإقامات فيما بينهم ويابخت من نفع واستنفع ، ليتحسر بعدها على سجن دخله ولا ينبغي له الخروج منه قبل أن يعوض ما خسره على الأقل ليحفظ ماء وجهه ، وحتى ذلك الحين يظل يردد “من طلع من داره قلّ مقداره” .
أنا حزين لأنني تحدثت مرة مع طالب “بدون” في الثانوية العامة عن الأمل والجد والمثابرة واقتناص الفرص ، فحدثني عن اليأس والقنوط ضارباً المثل بإخوته الذين يكبرونه سناً واجتهاداً وكيف صار بهم الحال إلى افتراش أرصفة الدوارات لبيع البنك والألعاب النارية أو العمل براتب يُصرف قبل أن يُستلم .
أنا حزين لأنني مازحت مرة عجوزاً تفترش الأرض أمام سوق تيماء المركزي محاولاً التخفيف عنها في ظل شمس لا ترحم أو برد لا يرعى إلاًّ ولا ذمّة ، فحدثتني نظراتها وتجاعيد يديها عن قصة معاناة بدأت منذ عقود ولم تنتهِ بعد ، عن إيجار يلتهم قوت البسطاء ، عن ثلاجة فارغة وأثاث مهتريء ، عن شباب ضاعت أعمارهم سدى ، عن بنات يبحثن عن طوق نجاة اسمه “عريس” ، عن ثلّة لا ترحم وتكره أن ترى رحمة الله نازلة على خلقه ، وعن أمراض لم ترحم كبرها وضعف حالها ولم تراعِ ذلك كله فتجاوزت كل ذاك الزحام لتصل إلى ذلك الجسد المنهك ، وكأنها تقول لها : “فكيف وصلتِ أنت من الزّحامِ” ؟!.
أنا حزين لأنني اكتشفت أن جُلّ بل ربما كُلّ أولئك الذين يؤلفون ويغرّدون ويكتبون وينصحون وينظّرون ويقيمون الدورات عن السعادة هم من “الشبعانين” أساساً … و “النصيحة” على المرتكي سهلة !

بقلم/ منصور الغايب