بورتريه

بورتريه
عذرا “نوال” حين تصبح القلوب أقسى من “الفولاذ”..!

كم يحس أحدنا أحيانا أن في نفسه شيئا غامضا يطوف في ثنايا روحه لاتستخرجه الكلمات مهما غاصت في أعماقه السحيقة وماضيه ومستقبله .. ومشاعر لم يخترع الانسان لغة لها حتى الآن تعينه في اكتشاف كنهها واطلاق سراحها من حبس بلا أبواب ولا نوافذ .. مشاعر تعجز كل المفردات عن خلقها وتصويرها على الورق وانزالها من عليائها .. لأن للمفردات حدودا وطاقة على السفر نحو شاهقات الأحاسيس والذرى الانسانية أو الغوص في الأعماق ..
وحدها ابتسامة “نوال” الصادقة وفرحتها في ذروة الشدة تهزم اللغة والتعبير ببلاغتها فتغوص في الأعماق المجهولة لمحيطات النفس وتستخرج دررا إلهية مصنوعة من “صبر أيوب”: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
في قادمات الزمن لا بد أن يتوقف الجميع خجلا وندما أمام هذه الأيام ليقول ويعترف أن طفلة كـ”نوال” – ابنة المواطن الكويتي المنفي والمسحوبة جنسيته سعد العجمي – وحدها عاشت رغم ضحكتها وفرحة قلبها المنتقصة يوم تفوقها في المدرسة، أشد أنواع القهر في تاريخ هذا الوطن. لكن وعلى الرغم من ذلك بدت “نوال” وهي تحمل شهادة تفوقها كـ”بيان سياسي” شديد اللهجة وتشخيص شفاف جدا وعفوي جدا وصادق جدا لمشاعر شعب بأكمله ذاق وأحس مرارة ما تعرضت له من ظلم.. لكنه في الوقت ذاته مع الأسف لا يزال صامتا مثقلا بالكرى والنعاس، أمام معاناة وألم وصبر كل من سحبت “جناسيهم” في الفترة الماضية.
هل يعاتبنا “الفولاذ” لأن قلوب بعضنا أصبحت أقسى منه وهي لا تنثني ولا تنحني أمام “نوال”.. وهل يعاتبنا “الصقيع” لأن أعصابنا “الباردة” أصابت رأسه بالبرد والقشعريرة وبردت الرؤوس الحامية أمام الظلم المستمر لـ”نوال” ووالديها واخوتها..؟!
صورة “نوال” في حفل تفوقها بمدرستها متشحة بعلم وطنها الكويت أرغمت اللغة على الاستسلام غير قادرة على مضاهاة المشاعر.. والحيرة في بساتين اللغة تأتي دوما عندما تكون الغلال وفيرة وسلال اللغة صغيرة ومناجل الكتابة لا تقدر على حصاد سنابل الكلام في مروج بلا نهاية.
وحده والدها سعد العجمي المحتسب الصابر عبّر بكلمات قليلة عن وفاء بلا حدود في زمن الجحود : “بجنسيه كنتِ يا نوال متفوقة ، وبدون جنسية مازلتِ متفوقة ،، نزعوا جنسيتك ولم ينزعوا عقلك”.
في دفاتر الحضارات تتميز الأمم بأفرادها الذين يصنعون معجزة “الصمود” في الأوقات العصيبة وصمود “نوال” وجميع أفراد عائلة سعد العجمي حفر على جدار الزمن أسطورة وطنية حقيقية.. وأن “كويت العطاء” – التي يعرفها “الشرفاء” وليس تلك التي يريدها “الفاسدون” – مهما طال الوقت لن تقبل أن يُجحد أبناؤها الذين يحبونها حبا مجردا عن أية مصلحة شخصية.