كتاب سبر

النزعة العاطفية في العمل الدعوي

تقوم الحركة الإسلامية المعاصرة على مبادئ كثيرة ولعل أبرز هذه المبادئ هو “الله غايتنا” وهو المبدأ الأساسي الذي ترتبط به جميع المبادئ، وهو محور الدعوة والعمل الإسلامي ولطالما بُذلت التضحيات من أجل هذا المبدأ العظيم ، فقال تعالى في كتابه العزيز “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين” وقال تعالى ” وما أمروا إلا ان يعبدوا الله مخلصين له الدين” فأي عمل أو ميل يتعارض مع هذه الغاية فهو ساقط في قيمته الدعوية والشرعية ، ولما يحدث في ميدان الدعوة من أعمال وظواهر من الميل للعاطفة في إتخاذ القرارات والقناعات والأعمال أحببت أن أتطرق إلى هذه الظاهرة من حيث المظاهر والأسباب ثم الحلول والعلاج. 
أولاً: الظواهر:-
1- عدم تأييد ممارسات معينة عند القيام بها من شخصية أو شخصيات معينة ثم الموافقة عليها أو السكوت عنها إذا صدرت من أشخاص لهم علاقة جيدة أو محبة أكثر.
2- العمل مع شخصية أو فريق عمل معين ثم ترك العمل أو التهاون فيه بعد تغير الشخص أو فريق العمل  والعكس.
3- نجاح أعمال معينة وبرامج بحضورها وتفاعلها إذا قام بها فريق أو شخصيات قريبة أو محببة لأشخاص معينة وضعف هذا التفاعل والنجاح اذا قامت بها مجاميع أخرى.
4- كثرة الإنتقادات للعمل وعدم ذكر الإيجابيات اذا قام بالأعمال شخصيات أو مجاميع لا يكون الميل لها ووجود خلاف ذلك إذا تغيرت الشخصيات والمجاميع القائمة على الأعمال.
5- تضخيم إنجازات المجاميع والشخصيات التي يكون الميل لها والقرب والتقليل أو التغافل عن الإنجازات التي حققها غيرهم من الذين لا يكون الميل لهم.
6- إختيار بعض القيادات والمسؤوليات بعيداً عن الأفضلية والإنجاز السابق والقدرة على العمل ولكن بسبب الميول والقرب والعلاقات.
7- القناعة والتبني لآراء سياسية وفكرية لشخصيات ومجاميع بناء على القرب والعلاقة من أصحابها وتهميش ورفض آراء أخرى بسبب عدم الميل والقبول لمن قال بها وتبناها.
8- كثرة التبريرات لتصرفات وأقوال الذين يميلون إليهم وكثرة “التصيد” والبحث عن عثرات من لا يميل إليهم ويختلف معهم.
9- كثرة الجلسات والتجمعات “الودية” التي لا ينبني عليها فائدة للدعوية وإنما هي للتسلية والترويح.
10- عدم كسب وجوه جديدة للدعوة والتعايش معها والإكتفاء بترابط شخصيات ومجاميع معينة مقربة .
11- الدعوة للإلتزام بالنظم واللوائح إذا كانت القرارات النظم توافق رأيهم والتهاون بها و”تمطيطها” والتسامح مع من يخالفها وإذا خالفت رأيهم
ثانياً : الأسباب:-
1- عدم رسوخ غايات الدعوة وأصولها في نفوس هؤلاء الأفراد والشخصيات.
2- ضعف التربية القرآنية وترسيخ مفاهيم السيرة النبوية في نفوس الأفراد بتربيتهم على الإخلاص والتجرد لله والفكرة .
3- تضخم الميل للعاطفة بسبب عوامل معينة مع وجود طبيعة الإنسان الميل للعاطفة والهوى.
4- التأثر بالمجتمع ورواسبه من الميل الى “الشللية ،القبلية،الطبقية ، المناطقية..”.
5- تربية بعض الأفراد والشخصيات على حب القيادي والمربي والمجموعة والمنطقة …الخ.
6- كثرة التجمعات واللقاءات “الودية” التي لا تنتج عنها أهداف فتزيد من الميل العاطفي للطبع أكثر من الإرتباط الوثيق بالأصل.
7- وجود ظواهر من قيادات وشخصيات تمارس هذه الأمور فأصبحت المشكلة “أجواء عامة”.
8- التأثر بالمجتمع بوجود آثار واضحة بعيدة عن أخلاق ” التقييم الموضوعي ، تقدير الرأي الآخر، التركيز على الأفكار..”
9- كثرة العمل والترابط مع شخصيات ومجاميع معينة وعدم وجود تنوع في التلقي والتواصل .
10- الظن أن النجاح لا يكون إلا عند العمل مع من أعرف ومن لديهم تاريخ دعوي مشترك.
11- الفشل السابق لبعضهم في إيجاد حلول وأعمال موضوعية بعيدة عن العاطفة فتولدت قناعات سلبية دائمة.
الحلول:-
1- تربية الأفراد والأشخاص على التجرد لله في العمل وترسيخ أصل الدعوة وغايتها .
2- ترسيخ مفاهيم التفكير الموضوعي والنقد البناء وفصل القول والفعل عن القائل والفاعل.
3- إختيار شخصيات ومجاميع لديها مستوى جيد في الإقناع والكفاءة والمهارات تستطيع إحتواء الأفراد والمجاميع.
4- تطبيع وإلتزام النظم واللوائح الدعوية على جميع الحالات والأمور وعدم التمييز والتراخي ببعضها.
5- إيجاد تجمعات متنوعة جديدة مع وجود تجمعات قديمة منسجمة .
6- ترسيخ مبدأ التعلق بالفكرة والمجموعة والأهداف من خلال تدارس بعض الحوادث والمعاني “عزل خالد بن الوليد نموذجاً”
7- ترسيخ مبدأ أن الداعية يؤثر إيجابياً بالمجتمع ولا يكون متأثر بمظاهره السيئة.
8- إيجاد ثقافة وزن الإنسان والمجاميع بالحسنات والسيئات والإيجابيات والسلبيات
9- تسويق القائد لقرارات المؤسسة بالحجج المنطقية “على قدر الإمكان” والتواصل مع القواعد وهذا يرسخ القناعة والبعد عن التفسيرات الشخصية .
10- العمل وفقاً للنظم والتقدير للمسؤوليات وهذا يساهم في الحفاظ على المؤسسة وقوتها .
11- ترسيخ مبدأ أن “الحي لا تُؤمن فتنته” ولا قدوة كاملة الا الرسول صلى الله عليه وسلم وأما بقية القدوات فلها حسناتها وسيئاتها.
وبعد هذا العرض فأنا لا أعارض النزعة الفطرية عند الأنسان في العاطفة ولكن أدعو لتهذيبها وتقليل مخاطرها حتى لا تؤثر على نقاء المقاصد في الأعمال الدعوية ولا شك أن الأخوة في الله والحماسة للدعوة والعمل وغير ذلك هي عواطف ولكن يجب أن تكون لله وأن يتم تقليل رواسبها السيئة، وكذلك فإستخدام العاطفة في إنجاح الأعمال والمشاريع أمر واقعي وناجح لا مفر منه….والكمال لله وحده سبحانه…