كتاب سبر

جمعية المحامين والمناظرة الملغومة

الناس قدرات. فهناك من يتقن قراءة الكف السياسي، وهناك من يتقن قراءة الحواجب، وهناك من يجيد قراءة العمود الفقري السياسي، وهناك من اكتشف أنني أميل إلى الطرف الذي يجلس فيه المحامي الحميدي السبيعي، ضد الطرف الذي يجلس فيه المحامي شريان الشريان. وأخشى أن أكشف لخبراء قراءة العمود الفقري أنني ضد الاثنين فتصيبهم الحمى، وتبدأ رحلة العطس المباركة، وفيتامين سي.

والقصة بدأت عندما أعلن وزير عدل مجلس الصوت الواحد “فكرة” إنشاء مجلس دولة. فصفّقت جمعية المحامين ب”شربكة” مبهرة ذكّرتنا بفرقة التلفزيون، مؤيدة للفكرة، ومطالبة بعدم مناقشتها في الصحافة، وقصر المناقشة في نطاق مجلس الأمة! فشهقنا تسع مرات معا، وبكينا وذرفنا الأدمعا (بالإذن من الشاعر الشناوي)، بعد أن صُدمنا من الجمعية التي كنا نتوقع دفاعها عن حرية الرأي والفكر، فإذا بها تستخدم النهج السيساوي: “مش عاوز ولا كلمة”.دع عنك محتوى الفكرة وتفاصيلها الشيطانية.

تزامن ذلك مع مقالة للمحامي الحميدي السبيعي نُشرت في جريدة الآن، بيّن فيها تأييده للفكرة بشكل عام، وسجّل اعتراضه على مادة فيها. فشهقنا، هذه المرة، سبع مرات معا، وبكينا وذرفنا الأدمعا. إذ كيف يثق العزيز السبيعي بقانون (أو فكرة) تقدم بها يعقوب الصانع، المعروفة مواقفه تجاه الحريات وحقوق الناس؟ ألم يلعب الفأر بعبّ السبيعي؟ ألم يتساءل: لمَ تقدم يعقوب الصانع بمشروع القانون هذا، في الوقت هذا، وتحت سلطة البرلمان هذا؟ (الصانع، بعد ذلك، تراجع عن المشروع وسمّاه فكرة).ثم كيف يوافق السبيعي على الفكرة وهي التي تولي موظفاً حكومياً، من الفتوى والتشريع، رئاسة مجلس الدولة، في قفزة ضبعة على سلطة القضاء؟

تلا ذلك مقالة عظيمة كتبها المحامي حسين العبدالله في جريدة الجريدة، فصفقت له ولها واقفاً ومتكئاً ونائماً. ومسحت الست عشرة دمعة التي ذرفتها على بيان جمعية المحامين ومقالة السبيعي (يمكنكم الاطلاع على مقالة العبدالله، بعنوان: مجلس الدولة… فكرة مشوهة!).وهي الفكرة القانونية الوحيدة التي أقنعتني.

ثم دار جدل، وثار غبار، وتبادلت بعض الأطراف القصف بالاتهامات، فطلب المحامي شريان الشريان مناظرة كلّ من المحاميين السبيعي والعبدالله (لا تنس أن لكل من الثلاثة وجهة نظره المختلفة عن وجهتي النظر الأخريين، ولا تنس أن وجهة نظر الشريان هي وجهة نظر جمعية المحامين). واشترط الشريان أن تكون المناظرة أمام جموع المحامين. فوافق العبدالله، ووافق السبيعي أيضاً، لكنه اشترط، بدوره، أن يكون النقاش أمام الملأ، لا جموع المحامين فقط، لذا طلب أن تكون المناظرة على شاشة التلفزيون.

هنا، تبنيتُ اقتراحاً رأيته محايداً؛ تُجرى المناظرة في ساحة الإرادة، باعتبار القضية لا تخص المحامين وشؤونهم ولائحتهم وما شابه، بل تهم الناس أجمعين. وليحضر من الناس من يريد، ومن الفضائيات من ترغب بنقل المناظرة.

 وقبل أن يجف حبر اقتراحي، فوجئت بقصف بري بحري جوي، و”اتهمت” بأنني أساند السبيعي! فاندهشت من هؤلاء الذين فهموني أكثر من فهمي لنفسي، وصفقت لهم، وطلبت توقيعاتهم على قميصي إعجاباً. واستعاد بعض المغردين أمجاد بيزنطة، وأضحى النقاش يدور حول البيضة والدجاجة، وأيهما أتى أولاً.

وتبين لي، من السجال التويتري، أن جمعية المحامين تعج بروائح الأندلس، وبيارق الطوائف، وملوك الطوائف. فلكل فريق لون، وأنصار، وشعراء! فتلثمت ورددت المقولة الخالدة: “هيلا يا رمانة”.

هذه هي كل الحكاية، بدءاً من “فكرة يعقوب” إلى “هيلا يا رمانة”.