كتاب سبر

الثيوقراطية التركية !!!

شهدت الجمهورية التركية في مساء 15 يوليو 2016 ، محاولة انقلاب عسكرية باءت بالفشل . وقد ظهر الشعب التركي بصورة المنقذ لديمقراطية تركيا و مدنيتها ، وهذا هو السبب الوحيد الذي لم يجد الانقلابيين فيه أي ثغرة أو مدخل لتنفيذ مخططهم . لقد اختلفت قراءات و تحليلات الشعوب العربية لهذا الانقلاب ، فجزء منهم يرى أن لولا أصالة الديمقراطية في ثقافة الشعب التركي لنجح الانقلاب العسكري ، والجزء الآخر بالرغم من رفضه للإنقلاب إلا أنه يعتقد أن رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان و حزبه العدالة و التنمية خلف هذا الإنقلاب ، بغية تصفية الخصوم سواء كانوا من المعارضة السياسية أو من العسكر ، أما من وصف الانقلاب العسكري بثورة الجيش ، فلن أتكبد عناء الكتابة عنه !!

ما يعنيني في هذا المقال هو تسليط الضوء على ما تناوله العلمانيون العرب في قضية الانقلاب الفاشل . صحيح أن موقف أغلبهم كان ضد الانقلاب ، لكن سرعان ما تحول موقف بعضهم من دعم للديمقراطية إلى التشكيك في هذه الحادثة . فبعد مرور 24 ساعة على فشل الانقلاب بدأنا نستمع عن سيناريو الانقلاب ، و عن أشخاص مارسوا دور الانقلابيين ، و أن حكومة تركيا الإسلامية ! هي من مارست دور المنتج لهذا الفلم الانقلابي – وبالمناسبة هذا ما تم تناوله أيضاً اعلام بعض الدول العربية و الغربية بعد الحادثة مباشرةً – .

إن المتتبع لأراء العلمانيين العرب في حكومة أردوغان منذ سنوات وقبل الانقلاب ، سيلاحظ تحذيراتهم حول تحول جمهورية تركيا إلى دولة ثيوقراطية يحكمها رجال الدين ، وهم من قالوا في الوقت نفسه ” لقد أحرج أردوغان التيارات الاسلامية عندما صرح عن تمسكه بالسيستم العلماني الذي انتجه مصطفى كمال أتاتورك “!!

إذا كانت العلمانية وفق الصيغة الأتاتوركية إنجازاً و تطوراً وربحاً لتركيا ، فهي خسارة على صعيد الدمقرطة. وهذا ما يؤكده المفكر جورج طرابيشي في كتابه ( هرطقات 2 ) ، عندما تطرق إلى الشكل الاستبدادي للعلمانية التي فرضها أتاتورك بقوة ، فضلاً عن تطرفها وما انتجته من ديكتاتورية خاصة في فرض عقوبة الاعدام – حتى وإن كانت تهديداً فقط – على من يرتدي العمة أو الجبة، ومحاربة الأقليات كالأرمن ، و اضطهاد الأكراد ، و رفض أي مظهر من مظاهر التدين و الدين الإسلامي . كل هذه الأمور شهدتها تركيا في عهد أتاتورك واستمرت إلى مطلع الألفية الجديدة . وبالرغم من الجرائم السابقة ، إلا أنه بالنسبة لبعض العلمانيين لا يمكن اختزال علمانية اتاتورك في هذه الجرائم ،لأنه بنى تركيا الحديثة ، و أعاد انتاج ثقافة سياسية جديدة أختارت مسار ديمقراطي لحكم تركيا الحديثة !

لم يُفرض حزب العدالة والتنمية على تركيا بالقوة ولم يحكم من خلال إنقلاب عسكري ، بل وصل إلى سدة الحكم وفق معادلة يؤمن بها العلماني قبل أي شخص آخر ، وهي الديمقراطية . فعن أي ثيوقراطية يتحدثون ؟ و عن أي استبداد يتحدثون ؟ فلو سلمنا بأن أردوغان حاكم مستبد ويريد تحويل النظام الديمقراطي إلى ثيوقراطي ، فهل سيقبل الشعب التركي ؟ أم أن الشعب لا يملك القدرة إلا على منع الانقلاب ؟

الشعب الذي آمن و لبى نداء الديمقراطية و أفشل محاولة انقلاب العسكر ، قادر في نهاية الأمر على منع أي مستبد يستمر في حكمه . فعن أي دولة ثيوقراطية يتحدثون ؟

لماذ يطالب العلمانيون العرب بعدم اختزال اتاتورك في الجرائم التي شهدتها تركيا سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي أو الديني !! وفي نفس الوقت يتم اختزال أردوغان في أخطاء قد تواجه أي حزب سياسي آخر ؟ مع العلم أن تركيا لم تشهد تطوراً إقتصادياً حقيقياً إلا في عهد حزب العدالة والتنمية ، ولغة الأرقام خير دليل على ذلك .

العلمانية القائمة على الدوغمائية ( التعصب ) ، ورفض المكونات السياسية والفكرية الأخرى و خاصة التيارات الإسلامية المعتدلة التي طورت من نفسها وفي تعاطيها مع الآخر ( النموذج التونسي ، و المغربي ) ، هي وجه آخر للإستبداد ، والشأن ذاته ينطبق على تيارات الإسلام السياسي .

*الثيوقراطية : الحكم الديني

2 تعليقات

  • كلامك متزن بعيد ان اي عاطفة او تعصب لرأي او حزب وكما قلت دائما لغة الأرقام ووقفة الشعب ووعيه للمصلحة العامة وقيادة غير فاسدة هي من سينجح اي نظام للتعايش بوسطية مهما اختلف الفكر او دين او عرق .. الخ
    وكثر الله من امثالك اخوي مبارك

  • مقال يلخص الواقع التركي الحديث وهو حكم الشعب وفق علمنة القوانين والعلاقات الدولية والالتزام بالإسلام كدين يحترم من الدولة وهذا ماطالب به الأتراك علي مر الازمنة ونفذته احزاب الرفاه والفضيلة واليوم حزب العداله والتنمية بقيادة اردوغان

أضغط هنا لإضافة تعليق