كتاب سبر

حدثان بدلالات الانكسار الإيراني.. أنور عشقي و حزب البعث!

تتزايد الأدلة على فشل المشروع المجوسي في المنطقة وقرب انهياره لتنتهي الفوضى العارمة التي أغرق هذا المشروع المنطقة فيها، وراء مقولات وسياسات جامعة بين الهمجية والسطحية ما أفقده كل فرصة للفوز.

اليوم يبرز عنصران يحرص عليهما المشروع المجوسي دون التباس أو مواربة وهما الهجوم على السعودية، والتحريض على كل شيء يمس الإسلام بنسخته السنية كدين أمة يقترب عددها من ملياري نسمة في القارات الخمس.

ونظرا لافتقاد المجوسية لأي فرصة (عالمية) فإنها تغرق كليا في فضائها القريب بممارسات جامحة وعشوائية، تنبئ بقرب الزوال أكثر من أي شيء آخر.

في الشق المتصل بالسعودية سنجد أن مكانة دولية تتمتع بها المملكة تشكل أقوى العقبات بوجه إيران ما يستدعي تركيز حملة ضارية ضدها، فواضح أن للرياض دورا في تقرير مستقبل العراق في مرحلة ما بعد داعش بعيدا عن نفوذ طهران، وأن الأمر نفسه متحقق في سورية (ما بعد بشار الأسد) وأيضا في القضايا الأخرى وعلى رأسها عدم مزاحمة السعودية بأي شيء فيما يتصل باليمن.

في جانب آخر تتعرض السعودية لحملة عالمية بخصوص (ثقافة) الإرهاب وأن عقيدتها (السلفية) تقف وراءه وهناك أصوات بغيضة تروج هذا، ومعتاد أن يتم حشر الصراع العربي الإسرائيلي في كل هذا باعتباره القضة الأهم في المنطقة، وأفضل التهم التي تدعمها اللوبيات العالمية لصالح إسرائيل هو إظهار أي بلد يخرج عن الطوع بمناهضة إسرائيل وعملية السلام.

ويتصل بهذا أن المبادرة العربية في جرى اعتمادها في قمة الرياض، وهناك يقين ثابت لدى الغرب العاجز عن ممارسة أي ضغط حقيقي على الدولة العبرية بأن الإسرائيليين بحاجة لمن يطمئنهم على مستقبلهم ليؤدي ذلك إلى بلورة قناعات لدى الطبقة الحاكمة بدفع استحقاقات عملية السلام.
وليس أفضل من السعودية لتتولى هذا الجانب، فيما الجميع يعلم أن عملية السلام متعثرة جراء مشكلة إسرائيلية بعدم وجود إذعان حقيقي لحل الدولتين، وطالما لا يوجد سلام كامل فلا أحد يستطيع إجبار الدول العربية التي لا ترتبط بمعاهدات سلام على التطبيع مع إسرائيل.

هنا سأستذكر مناسبة حدثت عام 1994 عندما زار الرئيس الأميركي بيل كلينتون الكويت وكانت واشنطن ساهمت قبل أعوام قليلة بتحرير الكويت، وكان هناك تهديد عراقي مستجد (تهديد أكتوبر) واستدعى الأمر حضور قوات غربية وأميركية للكويت لحمايتها، ولتسهيل مهمة الإدارة بمواجهة المعترضين على حماية (أنظمة غير ديمقراطية ومعادية لإسرائيل) كان هناك ضغط على الكويت في مسألة التطبيع واتفق على أن يطرح سؤال على المرحوم الشيخ جابر الأحمد في المطار، وقبل أن يبدل الرئيس كلينتون ملابسه لتفقد القوات الأميركية في الشمال، تولاه صحفي مرافق وكان سؤاله للأمير: هل أنتم مستعدون في الكويت للتطبيع وعلاقات سلام مع إسرائيل!؟.. فابتسم الشيخ جابر يرحمه الله وقال جملة واحدة فقط: عندما يحدث السلام بإذن الله!

بالتالي فإن الأمر مرتبط بعملية السلام.. وأين هو السلام!؟

في هذا المناخ نفسه سمحت السعودية بذهاب الجنرال أنور عشقي إلى أراضي السلطة الفلسطينية مع فرصة لقاء بالإسرائيليين للتحدث عن المستقبل ودعم عملية السلام في حدود المبادرة العربية، والتقى عشقي بمسؤولين إسرائيليين سابقين وحاليين وبترتيب من الفلسطينيين وفعلا التقطت صور وسمح عشقي بنشرها، وهو بالنهاية غير رسمي لكنه لم يذهب من رأسه ودون مشورة، بل ربما تم توجيهه لهذا ولكن كما قال طارق عزيز في إحدى المرات: شكو بيها!؟.. فالدول ليست مجلس شاي ضحى تتناوله النساء ويفتين بكل شيء.. هناك جوهريات وهناك شكليات ورد أذى وإثبات حسن نوايا ضمن مناحي إعلامية وترويجية لها أثرها ولكنها لا تشكل جوهر السياسة والقناعات.

لكن الحقيقة أن عشقي لم يوقع اتفاقيات ولم يبحث معاهدات بل ناقش أفكارا حول عملية سلمية متعثرة، فلا يوجد شيء عملي وحقيقي على الأرض.

والسعودية دولة إقليمية عظمى وصاحبة دور، ولكنها لا تستطيع محاربة العالم ولا إسرائيل نفسها والعالم كله متفق على عملية سلام جارية، والسعودية تدعم السلطة الفلسطينية التي قامت جراء (معاهدة) مع إسرائيل، وهي عملية متعثرة بل متجمدة منذ قمة كامب ديفيد بين إيهود باراك وياسر عرفات، فلم يحدث أي تقدم يذكر، وبالتالي فلا يستحق الأمر كل هذه الضجة.

لكن هناك طرف آخر استراتيجيته تقوم على تشويه السعودية وأقصد الدولة المجوسية.

وقد لا يعلم كثيرون أن هناك جيشا إلكترونيا إيرانيا يتواصل مع العالم العربي تحديدا علما أن وسائط التواصل الاجتماعي محظورة إجمالا في إيران، وبالتالي فعندما لما تقرأ (في الإعلام الحديث) لمغرد فلسطيني أو سعودي أو مصري أو جزائري أو كويتي أو قطري أو جيبوتي أو يمني.. الخ بتويتر فلا تفهم أن هذا يمثل كل شعبه فكثير من هؤلاء إيرانيون يحاولون الحديث بمختلف اللهجات وعلى كافة الموجات بهدف إيقاع الفتنة وترويج المقولات الخادمة للمجوسية، هذا فضلا عن أن نسبة كبيرة من مغردي تويتر هم من المخبولين جراء الجهل والانسياق وركوب أي موجة.

وهؤلاء يشتغلون بمنطق بسيط، فأينما كان هناك قضية تشغل الرأي العام العربي عملوا على إشعلوها شرقا وغربا يمينا ويسارا.

أما الحدث الثاني فكان حظر حزب البعث في العراق بأوامر إيرانية باعتباره خطرا على النفوذ المجوسي في العراق.

وعن نفسي فإني أعتبر جمال عبدالناصر وحزب البعث شريكين (متضامنين) في كل خراب لحق بالأمة منذ عام 1952 وما بعده، دون حاجة للشرح فالواقع يصرخ بمخلفات الحكام العسكريين وصولا إلى ثمرة البعث الختامية التي سلمت العراق لبهايم الخمينية.

لكن العجيب هو أن من (ورثوا) حزب البعث في العراق وومارسوا إقصاءه وقتلوا معظم قادته (السنة فقط) يقررون اليوم حظره واعتباره إرهابيا، في وقت يقومون هم وإيرانهم بدعم فرعه الآخر في سورية لأنه صديق للملالي ويقوده العلويون ضد الأغلبية السورية السنية!

ورغم جميع ما نعرفه ونستنكره من حزب البعث في العراق وتحديدا مغامرة غزو الكويت الآثمة لكن العراقيين اليوم (شيعة وسنة) وبعد عقد ونصف من زوال حكم البعث يترحمون على أيامه لأنه وللتاريخ حظر الطائفية، وداخليا بنى كل شيء تتفنن إيران في هدمه وتخريبه والإتيان عليه لصالح مطامعها.

وبعرض الشواهد بعيدا عن النظريات والمحاججات فإن حزب البعث هو من بنى البنية التحتية في العراق من جامعات وطرق ومشافي ومدارس وبيوت ومنافع للناس، وكانت الغالبية العظمى من كوادره (وبالقياس) من الفقراء إذا ما نظرنا لمليارديرية (الخمس) من عمائم الولي الفقيه الذين ورثوهم، فلم يجد هؤلاء قصرا واحدا أو قطعة أرض واحدة مسجلة باسم صدام حسين بينما هم وزعوا القصور الرئاسية بينهم كممتلكات شخصية وبإشراف قاسم سليماني، وكل ثروات البعثيين في العراق وفوقه سورية مضافا إليها ثروات القذافي وعياله لا توازي ثروة مجتبى علي خامنئي لوحده!

إن قرار حظر حزب البعث بمعانيه الحقيقية هو قرار طائفي بامتياز الغرض منه استمرار ملاحقة السنة في العراق باعتبارهم (أهل) الحزب دون غيرهم مع أن حزب البعث كان يتشكل من 400 فرقة حزبية كان منها 240 فرقة شيعية!

وبينما تجد مؤسسات في العراق اليوم وليس فيها سني واحد فإن النظام في عهد حزب البعث كان يعطي الفرصة لجميع العراقيين سنة وشيعة ومسيحيين وغيرهم ليحتلوا أعظم المراكز في الدولة، لكن العلة الأساسية في حزب البعث الذي نستنكره ولسنا ولله الحمد من أعضائه ولا مناصريه، كانت أنه وقف ضد المجوسية الفارسية وصدها ووضعها في حجمها الحقيقي.

إن المشهد العراقي برمته وفي جوهره لا يحتمل أي تفسير غير أن المجوسية فقدت عقلها وتتصرف بحمق تاريخي سيقودها حتما إلى الهزيمة والاندثار ذلك أن العراق لم يكن يوما ملحقا تابعا لفارس، وحلم خضوعه إليها سقيم وجاهل، فمنذ الإسلام جرى رسم انتظام للعلاقة أساسه أن العراق والعراقيين كعرب هم السادة والقادة بينما فارس والفرس ومن وراءهم هم الجنود والأتباع المطيعين والخانعين.

السعودية والعراق، ومهما حصل، سواء أزار أنور عشقي إسرائيل، أم تم تجريم العروبة ذاتها في العراق، سيظلان رأس الحربة لتدمير المشروع المجوسي وسحقه من جذوره.