كتاب سبر

سمرقند وأبعادها..!

لا يمكن فهم معنى وأهداف رواية الأديب أمين معلوف ( سمرقند ) دون استيعاب الأبعاد السياسية والفكرية والاجتماعية التي ارتبطت بشخصية عمر الخيّام وعلاقته بنظام الملك و حسن الصبّاح . وهذه الأبعاد لم تتبلور إلا بعد مرور سبعة قرون على وفاة الفيلسوف والفلكي عمر الخيام ١١٣١م ، و من خلال عودة الروح لمخطوطات سمرقند و الاهتمام بها ، بالإضافة إلى جهود الشاعر الإنجليزي” فيتر جه رالد ” وترجمته لرباعيات الخيام التي ساهمت في توجيه اهتمام المستشرقين بجغرافيا فارس وما تحمله من قصص وأحداث ذات جذور تاريخية ممتدة من نيسابور- مسقط رأس الخيّام- حتى أصفهان وخراسان .


بعد الغزو المغولي وتداعياته ، اتضح للعالم دون استثناء حجم الدمار الذي تعرضت له الثقافة في المشرق بفقدانها لجهود فكرية وفلسفية و أدبية وعلمية ارتبطت بأسماء نحن في صددها الآن . لكن جهود الباحثين في أنقاض ثقافة المشرق ساهمت في حفظ شذرات فكرية كان لها دوراً في ملئ فراغات تاريخية و ثقافية وسياسية واجتماعية ساهمت في ظهور هذه الرواية .

تدور هذه الرواية حول ثلاثة مواضيع رئيسية مرتبطة بالشخصيات الثلاث أعلاه ، والتي كانت لها مساحة واسعة في هذا الكتاب تخللتها شخصيات فرعية عززت اكتمال المغزى الفكري والسياسي و الاجتماعي لهذه الرواية، وهي كالتالي :


أولاً : الثقافة والفكر : من خلال رباعيات عمر الخيام و قصة مخطوط سمرقند ، وتفاصيل حياته منذ طفولته في نيسابور ، وشبابه في سمرقند ، وشهرته في أصفهان ، ولقاءاته مع حسن الصبّاح ونظام الملك وغيرهم ، يمكن توضيح إضافاته في الفلسفة والفلك و الرياضيات ، حيث جعلت منه منهلاً لمحيطه الاجتماعي آنذاك وللثقافات الغربية و سيرورة تطورها حتى وقتنا الراهن .

ثانياً : السلطة والسياسة : 
إن العلاقة التي جمعت نظام الملك بعمر الخيام لم تكن ضرباً من الإعجاب بفكر الأخير فقط ، بل كانت هناك أهداف ومصالح أخرى سياسية صرفة ضمن إستراتيجية نظام الملك وأهمها توظيف فكر وخبرات الخيّام بغية توسيع سلطاته و تعزيز نفوذه للسيطرة علي سياسات السلطان السلجوقي ملكشاه ؛ وهذا ما أثار الصراع بين نظام الملك و زوجة السلطان تركين خاتون . والجدير بالذكر أن مقتل نظام الملك و ملكشاه وزوجته ما هو إلا نتاجاً للصراع السابق.

ثالثاً : الإرهاب والعنف : 
إن إقصاء حسن الصباح من البلاط السلطاني وهزيمته في سمرقند التي ألحقها به نظام الملك كانت من أهم الأسباب التي حولت مشروع الصبّاح من تغيير عقائد الأمراء الفكرية إلى صنع الإرهاب وتأسيس نظام فدائي يهدف إلى تصفية خصومه عن طريق القتل من قبل مجاميع – الحشاشون – شكلت معسكر آلموت . وكان أهم ضحايا ذلك النظام هو نظام الملك وغيرهم الذين شكلوا عقبة أمام دعوة ابن الصباح وأهدافه .

بعد قراءتي لهذه الرواية انتابني شعورين متناقضين ، الأول هو الفخر والاعتزاز بالثقافة والحضارة الإسلامية ، أما الشعور الآخر هو الحزن على ما آلت إليه حال هذه الحضارة بعد دخولها عصور الانحطاط حتى وقتنا الراهن . ولعل ذلك يعود إلى الفكر والثقافة المنغلقة التي قطعت أوصال جهود المفكرين والفلاسفة والعلماء المسلمين . وهذا مما لا شك فيه يفسر تراجعنا في هذا الوقت مقارنةً بالفكر الغربي و ما يحمله من تجديد وحداثة ساهمت في تطوير المجتمعات الغربية .

إن تخلفنا الثقافي و العلمي و السياسي والاجتماعي نتاج لأساليب مازالت مستمرة في إدارة شؤون العالم العربي و الإسلامي، وأعني بذلك عدم القدرة على الموازنة بين متطلبات الدين الإسلامي و متطلبات الحداثة والتطور . وهذا مما لا شك فيه وضع العديد من العلماء والمثقفين على هامش مجتمعاتهم ، مما أدى إلى تراجع حال الأمة لبعدها عن الإنتاج الفكري الذي يواكب هذا العصر .

إذا أرادت هذه الأمة السير والمضي قدماً في طريق التطور والتجديد الفكري ، عليها أولاً مراجعة أفكارها و نهجها و الخروج من السياج الضيق ، واستئناف جهود السابقين من العلماء والمفكرين . وهذا لن يتم إلا عن طريق البحث العلمي و دعم الباحثين وعدم تهميشهم . و الفخر و الاعتزاز في التاريخ فقط لا ينهض حال هذه الأمة .

3 تعليقات

أضغط هنا لإضافة تعليق