كتاب سبر

اعتراضات أميركية جوهرية على مشروع قانون الكونغرس لمحاكمة السعودية

عارضت الإدارة الأميركية منذ وقت طويل القانون المثير الذي يجيز للقضاء الأمريكي ملاحقة السعودية بسبب اعتداءات 11 سبتمر 2001، وواضح أن البيت الأبيض هدد بالفيتو منذ بدء النقاش حول المشروع.
وبموجب القانون الحالي لا يمكن لضحايا الإرهاب سوى مقاضاة الدول التي تصنفها وزارة الخارجية الأميركية رسميا دولا راعية للإرهاب مثل إيران وسورية.
ولم يثبت أي ضلوع رسمي للسعودية في الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة، كما أنها ليست مصنفة ضمن الدول الراعية للإرهاب.
البيت الأبيض رأيه أن القانون سيكون له تداعيات ليس على العلاقات مع السعودية فقط بل لارتباطه بمبدأ هام من مبادئ القانون الدولي إلا وهو حصانة الدول وهكذا يمكن لدول أخرى أن تقر قوانين مماثلة، الأمر الذي قد يشكل خطرا كبيرا على الولايات المتحدة، وعلى دافعي الضرائب فيها، وعلى الجنود الأميركيين وعلى السياسة الأميركية”.
وهكذا يمكن حسب البيت الأبيض الاستمرار بحل الخلافات عبر الطرق الدبلوماسية وليس عن طريق المحاكم، بينما يخشى أوباما أن يجعل القانون واشنطن ضعيفة في مواجهة أنظمة قضائية أخرى في كل أنحاء العالم فللولايات المتحدة التزامات في الخارج أكثر من أي دولة أخرى في العالم خصوصا عبر عمليات حفظ سلام أو عمليات إنسانية، وإعادة النظر في مبدأ الحصانة يمكن أن يتسبب بمخاطر للعديد من الأمريكيين ولدول حليفة.
وبحسب ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز فإن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حذر برلمانيين أمريكيين خلال زيارة إلى واشنطن في مارس الفائت من أن إقرار مشروع القانون هذا، قد تكون له تداعيات مكلفة على الولايات المتحدة، وأنه هدد باحتمال أن تقدم الرياض على بيع سندات خزينة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار، فضلا عن أصول أخرى تملكها في الولايات المتحدة.
ويتيح مشروع القانون لعائلات ضحايا اعتداءات سبتمبر أن تلاحق أمام القضاء الأمريكي الحكومة السعودية لمطالبتها بتعويضات، علما بأنه لم تثبت أي مسؤولية للرياض عن هذه الاعتداءات، ولكن 15 من الانتحاريين الـ 19 المتورطين فيها سعوديون.
مصدر المخاوف الوحيد في المسألة هو أن زكريا الموسوي الفرنسي المدان لعلاقته بالاعتداءات والذي يعرف باسم (قرصان الجو الـ 20)، أكد لمحامين أمريكيين في فبراير الماضي أن أفرادا من العائلة المالكة السعودية دفعوا ملايين الدولارات للقاعدة في التسعينات.
وكانت السعودية نفت على الفور صحة هذه المعلومات.
كما أن التقرير الرسمي الأميركي المكون من 28 صفحة حول الهجمات برأ السعودية بالكامل من العلم بها أو معرفة أي شيء عنها.
أما المرشحان الديمقراطيان للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون وبرني ساندرز أعلنا دعمهما لمشروع القانون الذي قدمه السناتور الديمقراطي شاك شومر ونظيره الجمهوري جون كورنين.
عرف مشروع القانون باسم “جاستا” وهو وضع أساسا لتجاوز سلسلة من الأحكام التي أقفلت الابواب عمليا أمام كل الدعاوى التي رفعها ذوو ضحايا الهجمات ضد الحكومة السعودية ومسؤولين سعوديين وكيانات خاصة عدة، وكلها تستند الى الدور المفترض لهؤلاء في تمويل عمليات “القاعدة” قبل الهجمات.
وحظي المشروع لأسباب شعبوية بالنظر إلى ما تمثله الهجمات في الوجدان الشعبي الأميركي بتأييد الغالبيتين في مجلسي النواب والشيوخ اللتين أتاحتا إقراره، مع دعم رأي عام أميركي واسع، بحجة أنه يساعد في تبديد غضب عائلات الضحايا وكذلك الناجين من الهجمات ويحقق رغبتهم في إيجاد أحد لمعاقبته وإلقاء المسؤولية عليه، والحصول على بعض التعويض عن خسائرهم.
ويقول جاك غولدسميث البروفسور في كلية الحقوق في جامعة هارفرد والزميل البارز في مؤسسة “هوفر” البحثية المدعي العام المساعد في إدارة جورج بوش، وستيفن فلادك، البروفسور في كلية الحقوق في جامعة تكساس، إن الأشخاص العقلانيين قد يختلفون مع القول إن إعطاء ضحايا الهجمات فرصتهم في المحكمة يبرر المشاكل الديبلوماسية والمتاعب في العلاقات الخارجية التي سيتسبب بها هذا القانون، فضلا عن أن القانون لا يوفر نظريا أي فوائد تبرر تكاليفه المرتفعة.
وكان السيناتور كورنين أدخل تعديلات على مشروع القانون بعد اعتراضات واسعة على النسخة الأولية وأقرها الكونغرس أضافت عوائق الى ادعاءات ضحايا الهجمات وذويهم، تمنع عمليا المدعين من الوصول الى أي مكان، إذ تتيح للحكومة تعليق الدعاوى في شكل دائم، وحتى إذا فشلت في ذلك فإن على المدعين أن يظهروا أن السعودية كانت مسؤولة مباشرة عن الهجمات، وحتى إذا استطاعوا ذلك، فإنه لا توجد آلية في القانون تجبر السعودية على التعويض عن أي أضرار.
ومن الناحية القضائية يتوقع القانونيون استغراق الدعاوي سنوات طويلة في شأن الدور السعودي المحتمل في الهجمات من دون قرارات محتملة للضحايا وعائلاتهم.
وعقدة العقد في التشريع أنه يمس أحد أكبر الشركاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة فالسعودية بحسب إحصاءات في الصحافة الأميركية قوة عسكرية إقليمية ضخمة واشترت أسلحة متطورة بأكثر من 152 مليار دولار بين 2001 و2015.
ومعارضوا القانون يحذرون من أن الاتفاق النووي لم يخفض من التهديد الذي تشكله إيران وتدخلاتها المباشرة في عدد من الدول واستهدافها لأمن واستقرار مزيد من الدول.
ومع تنامي أهمية الشعور بالإرهاب (الإسلامي) وضرورة مواجهته يرى مختصون أميركيون كثيرون أن آخر شيء تحتاجه الولايات المتحدة، هو محاربة الإرهاب باستعداء شريك رئيسي في تلك المعركة، ورغم عامل تخلص الولايات المتحدة من عقدة الاعتماد على النفط الخليجي إلا أن استعداء دولة رئيسية في المنطقة وخسارة صداقتها سيقود إلى تحول حلفاء السعودية الخليجيين وغيرهم عن العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، ما يضع اعتماد الصين على نفط المنطقة وهي الشريك العالمي الأكبر على المحك.
لكن العقدة هي أن أوباما وإن استخدم الفيتو فإن هذا لا يعني تلقائيا أن القانون لن يتم تمريره، إذ يمكن للكونغرس أن يتخطى هذا الفيتو الرئاسي ويصدره رغما عن إرادة الإدارة إذا ما أقره مجددا مجلسا الشيوخ والنواب بأغلبية الثلثين، وهو أمر ليس مستبعدا في ظل هيمنة الجمهوريين على المجلسين.
وإذا ما تحقق هذا السيناريو وانكسر الفيتو الرئاسي بأغلبية ثلثي أعضاء الكونغرس يكون أوباما قد مني بانتكاسة كبيرة في الأشهر الأخيرة من عهده إذ لم يسبق لأي من الفيتوات العشرة التي استخدمها خلال ولايتيه الرئاسيتين أن سقط بتصويت مضاد.
السعودية بنحو 600 مليار دولار تقع ضمن أكبر الدول المستثمرة في سندات الخزانة الأمريكية والتي تتصدرها الصين باستثمارات قدرها 1.3 تريليون دولار، وبعدها اليابان باستثمارات قدرها 1.1 تريليون دولار.
وتملك الإمارات العربية المتحدة سندات خزانة قيمتها 62 مليار دولار بينما بلغت حيازات الكويت 31 مليار دولار.
ولا تشمل الأرقام الاستثمارات السعودية الأخرى في الولايات المتحدة، سواء كانت حكومية أو خاصة.
وتصدر وزارة الخزينة الأمريكية تقريرا سنويا يظهر حجم الأصول التي تملكها السعودية ودول الخليج والتي بلغت في التقرير الأخير الأولي للعام 2015- 2016 نحو 612.371 مليار دولار إلى جانب سيولة حجمها 285.238 مليار دولار تضاف إلى امتلاكها لسندات دين آجلة بقيمة 264.768 مليار دولار وسندات دين عاجلة بقيمة 62.370 مليار دولار.
وتتواجد الشركات السعودية العملاقة في السوق الأميركي فشركة أرامكو السعودية تملكت ضمن آخر نشاطاتها الكبيرة في الولايات المتحدة أكبر المصافي الأميركية “بورت آرثر” بولاية تكساس والتي تعتبر “جوهرة التاج” بالنسبة لصناعة النفط الأمريكية كون طاقتها الاستيعابية تصل إلى 600 ألف برميل يوميا، الأمر الذي سيسمح للشركة بالحصول على موقع استراتيجي يسمح لها بنقل نفطها الخام إليها وتصفيته ومن ثم بيعه في أسواق أمريكا الشمالية.