كتاب سبر

مأساة الحسين بن علي عليهما السلام والتحشيد الإيراني ضد الأمة

يجب أن يستقر في ذهنك كمسلم أن الحسين بن علي رض الله عنهما لم يخرج في (ثورة) بدليل أنه لم يكن هناك من معه في هذه (الثورة) المفترضة، وبدليل أنه لم ينتصر وبقي النظام كما هو ملكا عضوضا يتوارثه الخلفاء فمنهم الصالح ومنهم الأصلح، ومنهم الأقل مقاما وقدرة على خدمة الأمة والرسالة.

وفي فكرة الثورة إهانة للحسين بن علي رضي الله عنهما فالصحابة عارضوا خروجه خوفا عليه.

لماذا؟

أولا: لمعرفتهم بأهل العراق.

ثانيا: لرفضهم الفتنة.

ففي الإسلام كنظام سياسة قاعدة ثابتة مؤكد أن الحسين من أوائل من يعرفوها، بل وحري به أن يعرفها أكثر من سواه، وهي عدم الخروج على الحاكم المتغلب، وفي هذا أحاديث صحيحة ومتواترة.

لماذا؟

لأن ضرره (الخروج) أشد من نفعه، وهذا ما حصل في كل خروج، وهو ما حصل جراء (خروج) الحسين أو (ثورته) إذا افترضنا جدلا أنه (خرج) على يزيد أو (ثار) عليه، فقد استشهد رضي الله عنه ومات كثير من أهله الكرام، ونشبت فتنة تمتد أثرا قائما إلى اليوم، إذا صدقنا فرضية أن الخسين (خرج) أو (ثار) وهو يعرف ويرى قوة غير متكافئة وغير صالحة أو مناسبة للخروج.

والمؤكد أن الحسين لم يكن يريد ما حصل له ولأهله، فهو شيخ كبير ملأ الشيب رأسه (63 سنة)، وحتى وإن كان شابا يافعا وفارسا مقداما في ذروة صباه فلن يقبل خوض معركة بالنساء والأطفال وعديد قليل غير متكافئ.

الحسين أريد منه أن يبايع، وكان يعتقد أن البيعة ليزيد غير صحيحة لأنها لم تتم وفقا لمبدأ الشورى، لكن الأمر الواقع فرض نفسه مع علمه أنه سيقتل إن لم يبايع أو أن هناك خطرا بقتله، ولو كان غرض الحسين الشهادة لبقي في المدينة وأصر على موقفه ليتم قتله على مرآى ومشهد من الأمة، فيكون لموقفه أثرا أكثر من أن يقتل في الصحراء مع قلة قليلة من الرجال وجمهرة من النساء والأطفال.

لقد رأى الحسين رضي الله عنه ورأيه بالتأكيد الصواب أن ينجو بنفسه وأهله إلى مصر من الأمصار سيكون ناصره أو مؤويه بوجه هذا الظلم المبين، والروايات الصحيحة والثابتة تؤكد أن الحسين لم يكن المعترض الوحيد على يزيد فمثله كان أبناء كبار الصحابة: بنو أبي بكر وعمر والزبير وطلحة وسواهم رضي الله عنهم جميعا.

فمثل الحسين بل أكثر كان ابن الزبير عبدالله (ابن حواري رسول الله) وهو شجاع وقوي وذو بأس، وقد صبر أو تأنى حتى سقطت ولاية يزيد وابنه معاوية بالتنازل، فقبل البيعة ممن بايعوه وأعلن نفسه أميرا للمؤمنين ودانت له بالولاء عدة ولايات مهمة، ولسبع سنوات متصلة حتى قتله عند الكعبة الحجاج قائد جيش الأمويين في القصة المعروفة من الصراع أو الفتنة بين ابن الزبير ومروان بن الحكم.

ومثل الحسين أيضا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، والذي رجاه بل توسله أن لا يذهب إلى العراق ونصحه بالذهاب إلى اليمن، وهو نفسه (ابن عمر) الذي لقي ابن الزبير عند الكعبة وعاتبه بلطف بعد أن تخلى عنه الناس، على عدم استماعه لنصيحته، فابن عمر أراد للحسين خيرا، وهذا شأنهم كصحابة كبار كرام وأحبة.

ومثل ابن عمر كان موقف ورأي ابن عباس رضي الله عنهما، والذي كاد يمسك الحسين من تلابيبه متعلقا وراجيا له عدم الذهاب إلى الكوفة لمعرفته بمن فيها من شرار الخلق، ممن جربهم أبوه علي وأخوه الحسن والذين ثبت أنه لا عهد لهم ولا ذمة وأنهم يلهثون وراء الدينار والدرهم وينقضون كل عهد ووعد.

وحقيقة أن الحسين رضي الله عنه ذهب إلى العراق بناء على ما تلقاه من وعود ومراسلات وردته من أهل الكوفة، لكن من جهة أخرى فإن ولاة يزيد كشفوا أمر هذه المراسلات أو (التحركات) لنصرة خروج الحسين على يزيد، وتجديد واقع جيش العراق ضد جيش الشام، كما كان على عهدي علي والحسن رضي الله عنهما، وتصادق على هذا جل الروايات التي تتحدث عن مقتل من تسميه بعض الروايات المعاصرة المجوسية (سفير الإمام الحسين) مسلم بن عقيل رضي الله عنهما، وأن الحسين لو كان يعلم بهذا لما أكمل طريقه، بل إنه شاء العودة لما علم بذلك على مشارف العراق.

وهكذا واجه الحسين واقعا يعرف نتائجه سلفا، والحسين ليس ممن يلقون بأنفسهم إلى التهلكة، فهو الرجل الرشيد ومن يكون رشيدا أكثر من الحسين ليغامر بحياة من معه من الشباب والفتية والنساء والأطفال؟.

لذلك رأيناه كما تؤكد مختلف الروايات يعرض حلولا للمأزق الناشئ بين الجانبين، جراء تشدد الوالي غير المبرر بنيل بيعته قسرا وعلانية، ورفضه هو بطبيعة الحال لذلك، فعرض المزيد من الحلول الوسط، كأن يخلّوه فيذهب إلى الثغور فيجاهد في سبيل الله، أو أن يعود من حيث أتى، أو أن يصحبوه إلى يزيد في الشام ليحاوره فيكتب الله ما شاء له أن يكون بينهما.

إن كل الوقائع تفيد بأن من قتل الحسين في تلك الحادثة هم عملاء المجوسية الحاقدة على العرب والمسلمين فهؤلاء هم بقايا من أشعل فتنة الجمل بعد أن اتفق علي وطلحة والزبير ومعهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم جميعا، على حل جذري للقصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه ضمن ما يراه علي بن أبي طالب من التمهل حتى استقرار الأمر، فقامت المجوسية والملتحقين بها ببث الفتنة بين المعسكرين، وأشعلت القتال رغما عن هؤلاء الكبار المبشرين بالجنة.

وهؤلاء هم أنفسهم من حرضوا على المقاتل والمواجهات في صفين بين كاتبي الوحي علي ومعاوية رضي الله عنهما وهم أيضا الذي عقدوا المؤامرة لقتل الثلاثة الكبار علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص ليكون العرب أهل رسالة الإسلام من دون قائد أو زعيم يتولى بيضتهم وغايتهم نشر الدين ونصرته.

مما يستفاد من كل الروايات الصحيحة والرصينة أن الوالي لم يكن يريد قتل الحسين، كما أنه لم يكن ليزيد حاجة في إلى ذلك خصوصا بعد إخماد واستمالة محازبيه في الكوفة والبصرة، ولهذا لم تمتد ما تسمى بـ (المعركة) في كربلاء لأكثر من ساعة تم فيها استشهاد الحسين ومن معه في وقت قصير وغير متعمد، حيث تبرأ الجيش العرمرم من القتلة الذين ينبؤنا التاريخ أنهم واجهوا أسوأ العواقب، فلم تكن المسألة حربا ولا يصح منطقيا أن تكون حربا، فيما الضفتين (بافتراض ضفتين) تضم الأولى 5000 رجل مدجج بالسلاح (جيش ذاهب أصلا لفتوح خارجية) وتضم الثانية 30 رجلا هم أبناء الحسين وشقيقه الحسن وأبناء أخيهما ونساء وجواري وأطفال.

إن الحسين في ذلك الوقت هو الأقرب إلى مسلك جده الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقل عدد خاض فيه النبي صلى الله عليه وسلم القتال ضد المشركين كان في بدر (300 مقاتل ضد 1000 مقاتل) ومن هنا فلا مسوغ لتسمية كربلاء بالمعركة، وبكل وجه وم الوجوه.

إن ما حدث فاجعة شديدة الثقل على المسلمين جميعا، لكنها لم تكن ولن تكون الفاجعة الأكبر التي واجهها الإسلام، ومن دون حاجة إلى سرد المزيد من التفاصيل التي لا تحتاج إلى السرد والجميع يعرفها، ابتداء من استشهاد أول أميرين للمؤمنين (عمر وعثمان) رضي الله عنهما، ووصولا إلى ما نحن فيه من امتحان أليم يموت فيه أطفال سورية والعراق واليمن ويستقصد معهم كل طفل على امتداد هذه الأمة، من هجمة غير مسبوقة لتخريب أمن واستقرار كل بلد عربي ومسلم.

إن النظام الإيراني ومنذ مجيء (الملالي) بزعامة الخميني عام 1979، ومن ورائه خامنئي يروجون لواقعة كربلاء باعتبارها حجتهم للثأر من هذه الأمة، وعبر موروث تراكمي مبتدع ولا نهاية لخيالاته، ويحمل شعارا استفزازيا مقيتا (يا لثارات الحسين) ليستغل ضد عموم الأمة بوصفها من أهل يزيد.

إننا نشهد كيف يستغل هذا الشعار كذريعة لتهديم العراق وسورية واليمن وكل بلد متاح على الأجندة الإيرانية، ومن مدخل البغضاء أولا، ثم تهريب السلاح ونشر أحزاب الانتقام ثانيا، وما ينتج عن هذا من التطرف والإرهاب وكذا بث الفتنة والانقسام في المجتمعات بما يخدم غرض هؤلاء الملالي الإيرانيين بعدم استقرار أي بلد عربي، تمهيدا لانتصار (الثورة) وفوز ولاية الفقيه وسيادتها عموم الأمة!..

إن أهل الحسين وورثته أنفسهم لم يطلبوا الثأر، ومنذ أن تم اصطحاب من بقي من أهل الحسين إلى يزيد بن معاوية لتكريمهم ومداواة جروحهم، وحتى من جاء بعدهم من هذه الذرية الكريمة العزيزة، لم يطلب أحد بالاقتصاص من قتلة الحسين لسبب بسيط، وهو أنهم انقرضوا، وزالوا، حتى تأتي إيران المعاصرة، وكما فعلت في عصور سابقة، وعبر عقائد مشوهة هي خليط عقيدة عنصرية فارسية حاقدة، وعقائد مجوسية زردشتية ضالة، فتطالب بالثأر للحسين وأصحاب الحسين.

نحن (إذا كان ذلك لا غنى عنه) مع عودة الحسينيات في بعض البلاد العربية، إلى حزن لطيف رقيق وكريم، يبتعد عن السب والتجريح بالصحابة وضوان الله عليهم وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وتدعو لاستلهام الدروس والعبر من الواقعة، من دون شق وحدة المجتمعات بتلبية شعارات فارسية عنصرية، لا غاية لها ولا غرض يتصل بدين الله، وإنما لتحقيق أهداف سياسية توسعية مريضة، لا تريد الخير لأحد من العرب والمسلمين، وبما في ذلك الشعوب الإيرانية ذاتها.

https://www.youtube.com/channel/UCfae0i2XImxrEyXbbH3vpUQ

يوسف علاونة يوسف علاونة – YouTube
www.youtube.com
تحريف التاريخ سبب أول تحريف الدين، حلف يهودي مجوسي مهزوم، والقرآن ككتاب تاريخ