كتاب سبر

كفاح الأوائل .. بشوت في المقابل

إن النضال الشعبي ليس بحديث على وطننا العزيز ولا بغريبه على شعبنا الأبي, فبدأت المسيرة عام 1921 عندما أقدم مجموعة من الشخصيات الوطنية البارزة آن ذاك بالمطالبة بمجلس شورى يشاركون فيه الحكم ويسعون به لتطبيق بعض الأجندات الإصلاحية ولكن لم تتكلل هذه المحاولة بالنجاح, فلم تتوقف هذه المحاولات بل سعوا لما يسمى “بالمجلس البلدي” الذي كانت له عدة تحركات إصلاحية قوبِلت بمحاربة من الحاكم وملاحقة أعضائه حتى فر بعضهم خارج الكويت, اما في عام 1936 كان هناك ما يسمى “بمجلس المعارف” وهو مجلس منتخب من الأهالي ناضل لتطوير التعليم وتقدمه, وبعد هذا وذاك أتت محاولة عام 1938 من مجموعة من النشطاء والمهتمين بتأسيس مجلس تشريعي وتمت الموافقة عليه من قبل الحاكم مع وضع دستور يعتبر من الدساتير المتطورة في ذلك الزمن, في ذلك الحين انتاب الانجليز شعور الخوف على مصالحهم والأموال التي سيحصدونها بعد اكتشاف كميات النفط الهائلة في جوف أرضنا, وبعد عام “السمع والطاعة لعمامنا الانجليز” وحل المجلس “كرمال عيونهم” بل ولم تكتفي السلطة بذلك بل تمت ملاحقة أعضائه مما أدى لفرار البعض منهم خارج الكويت واعتقال آخرين واعدام شهداء الوطن محمد المنيس ومحمد القطامي.

بعد كل تلك التحركات التي دامت لأكثر من عقد ومع تكرار بطش السلطة وقمعها لأي تحرك شعبي إصلاحي كان هناك نوعاً من التخوف الذي سكن المواطنين لفترة بسيطة أدت الى ركود الحراك, لكن هذا التخوف وذاك الركود انتهى في مطلع الخمسينيات فشُكلت لجان وأندية ثقافية كانت تهدف للقضاء على الإقطاعيين والجشعين والتضامن مع الشعوب العربية لمحاربة الاستعمار, وقدمت “لجنة الأندية الكويتية” عريضة موقعة من أبناء الشعب إلى الراحل عبدالله السالم مطالبين فيها بانتخاب بعض المجالس كالبلدية والمعارف, وعام 1955 دعت اللجنة الى اجتماع لتشكيل لجنة معنية لإنشاء الدستور وإقامة الانتخابات التشريعية, حيث لاقى هذا التحرك بطشاً من السلطة كالمعتاد أدى لإغلاق جميع الصحف, اما عام 1959 بعد خطاب للراحل جاسم القطامي أغلقت كل الأندية وساد الجو القمعي حتى الاستقلال.

وبعد ذلك وبعد نضال دام لما يقارب الأربعون عاماً أخيراً شعرت السلطة بأهمية الاستجابة للمطالبات الشعبية وتم انشاء المجلس التأسيسي ووضع الدستور من قبل خبراء وشخصيات وطنية قدمت كل الجهد لنقل الكويت من بلد الكلمة فيها للشيخ لا غيره إلى بلد كان يعتبر متقدم وديمقراطي في ذاك الزمن, رغم أن الدستور لم يكن يلبي كل الطموحات التي عملوا لأجلها لكنه كان مجرد بداية عمل, وأساساً كان من المفترض أن يُعمل به لخمس سنوات وفقاً لما نصت عليه المذكرة التفسيرية ومن ثم يطور نحو المزيد من التقدم والمزيد من الحريات، ومنذ بداية هذه الحقبة لم يكن أفراد الأسرة الحاكمة قابلين في مشاركة المواطنين الشيوخ في الحكم واعتبروا هذا الشيء سقطة من سقطات ابن عمهم متناسين أنه ضمن لهم حكمهم في مادته الرابعة ” الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح .. “, وفي أول مجلس تشريعي حاربت السلطة هذه المؤسسة ولم تنتهي حتى يومنا هذا بمحاولات مستمرة مُمنهجه تسعى من خلالها لهدم مجلس الأمة, وفي ثاني انتخابات للمجلس أعلنت السلطة صراحةً كفرها بالديمقراطية بعد تزوير مجلس 1967 ومنذ ذلك الوقت على ديمقراطيتنا السلام ورحم الله دستورنا وغفر له, منتقلين على ” الطعن في الميت” متناسين بأنه حرام ففي 1976 علق العمل بالدستور وحل المجلس حل غير دستوري, وفي عام 1986 انقلبت السلطة على الدستور وسعت لتنقيحه أيضاً مع حل المجلس حلاً غير دستورياً, مما أدى لتحرك شعبي في آخر الثمانينات وأول عام 1990 مطالبين العودة للعمل بالدستور والمجلس, واستجابت السلطة سريعاً لذلك التحرك لكن طبعاَ حسب ما هي تريد وحسب مصلحتها فأسست المجلس الوطني الذي نعتبره نقطة سوداء أخرى من مجموعة نقط وضعتها لنا السلطة في تاريخنا السياسي, ومن ثم أتى علينا الغزو الغاشم واستبدل العمل السياسي بالمقاومة لأجل تحرير وطننا, وبعد التحرير كان للسلطة مسعى للعودة الى المجلس الوطني ولكن الضغوط الشعبية والالتفاف الشعبي صد هذه الخطوة ورجع العمل لمؤسسة مجلس الأمة, لكن ” حليمة لم تنتهي من عادتها القديمة ” فاستمرت السلطة في مسعاها للقضاء على هذه المؤسسة نتيجة عدم الإيمان بها ولا بعملها فتريد كل الأمور لها لا لغيرها دون أن يراقبها أحد حتى تنهب ما تنهب وتفسد ما تريد افساده, فكان للمال السياسي والتجنيس العشوائي وشراء الولاءات بالمناصب والمراكز وتغيير النظام الانتخابي أسلحة من أسلحة السلطة لوأد الشعب وكان الشعب متصدي لتلك الأسلحة رغم تأثيرها على الحالة السياسية, وفي عام 2005 كان هناك تحرك شعبي لإقرار الحقوق السياسية للمرأة واعتبر تحقيقه انتصار للديمقراطية والشعب, اما عام 2006 شكلت المجاميع الشبابية ضغطاً لتغيير النظام الانتخابي تحت مسمى ” نبيها خمس ” أدى ذلك بتحقيق المطلب ليؤدي الى استقالة الحكومة وحل المجلس، وفي عام 2008 كان الحل الخامس تلاه الحل السادس عام 2009 نتيجةً للتصعيد والصدام الذي ساد بين النواب والحكومة،

وبعد ما عرف ” بقضية الايداعات المليونية ” والاستجوابات التي قدمت للحكومة وكشف العبث السياسي والرشاوي التي كانت تدفع للبعض لتوجيه البوصلة في اتجاه معين وبعد حراك “ارحل يا ناصر” تم اقالة أول رئيس لمجلس الوزراء نتيجة تلك القضايا وتم حل المجلس في 2011, وفي 2012 شهدنا أبطال مجلسين واحد لبطلان حل مجلس 2009 والأخر بعد حكم المحكمة الدستورية المتعلق باللجنة العليا للإنتخابات وبمرسوم الصوت الواحد الذي أتى بقرار فردي نتج عنه تحرك شعبي واسع ومقاطعة للانتخابات التي تجري وفق ذاك المرسوم حتى أتى آخر حل في عامنا الحالي برغبة مشتركة ما بين المجلس والسلطة رغم أن هذا المجلس كان ” ابن الحكومة البار “.

لماذا هذا السرد التاريخي ؟ للحديث بقية …

 

بقلم/ مشعل الوزان