كتاب سبر

القمة الخليجية.. لماذا رئيسة وزراء بريطانيا وليس رئيس أميركا!؟

يثير حضور رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للقمة الخليجية في المنامة جملة من التساؤلات تساهم في تظهير صورة الموقف الجاري في المنطقة وتحديدا ما يتصل بالمواجهة الجارية مع إيران، في العراق وسورية واليمن ولبنان، وضمن دائرة الدول الخليجية نفسها حيث لا ثقة بإيران بسبب سياساتها الاستفزازية وتدخلاتها الإجرامية في دول الخليج العربي، عبر تهريب السلاح والمخدرات ودعم الشبكات الإرهابية، أو بمواقفها السلبية من مسائل ترسيم الحدود البحرية مع الكويت وغيرها، لأن إيران وبكل بساطة تقف في موضع الإقلاق لجميع الدول المجاورة.

في البدء علينا أن نذكر بأن هناك قمما خليجية انعقدت مع الرئاسة الأميركية خلال ولايتي الرئيس باراك أوباما، كما استضافت القمة الخليجية الدورية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
والأرجح أن عوامل إجرائية وبروتوكولية هي التي منعت استضافة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته قريبا (أوباما) أو الذي سيباشر رئاسته قريبا (دونالد ترامب) فأوباما لا يمكنه اتخاذ قرارات مهمة في الشرق الأوسط قبيل مغادرته البيت الأبيض بوقت يسير وانتقالي، وترامب لا يستطيع استهلال ولايته بحضور محفل عربي إسلامي ضخم كهذا المحفل الخليجي، وهو الذي تركزت الأضواء عليه خلال الحملة الانتخابية وعبر طرح مثير وانقلابي في مفاهيم علاقات أميركا التقليدية والمعتادة.

من هنا جاءت دعوة الزعيمة البريطانية لتوفر بديلا مناسبا للحضور الغربي، لتنشأ مقاربة صحيحة مع الاهتمام الخليجي ومنها ما يتراوح بين القلق من السكوت على إيران إلى الشك بغرضية غربية وراء حال الانسعار الإيرانية تجاه بلدان الخليج العربي والدول العربية عموما.
وما ستقرره تيريزا ماي أمام قادة الخليج مهم إذ ستبنى عليه نفس المواقف من بقية الدول الغربية المهمة – الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا – وسيكون لذلك أثره على المسلكين الروسي والصيني وإن كان الظاهر من البلدين هو التعاون والاهتمام بدول الخليج ولو مع الإبقاء على علاقات وثيقة بطهران.
وللأمر بعيدا عن معانيه الاستراتيجية اتصال بالشأن الاقتصادي فبريطانيا الخارجة من الاتحاد الأوروبي تريد بدائل تعزز مبادلاتها التجارية وهذا ما تضمنه البيان الذي أعلنته ماي قبيل ركوبها الطائرة إلى المنامة حيث مرت 200 عام بالضبط على العلاقات بين بريطانيا والبحرين.
وإذا كان الحضور سيفرض التحدث عن القضايا الساخنة كسورية والبمن والعراق وغيرها فإن ماي لم تخفِ أنها تبحث عن فرص تجارية مع الدول الخليجية، والخليج جاهز لهذا وهذا مهم، ويحسب للخليج الذي ما زال رغم الأزمة العالمية جذابا للاستثمار والعقود التجارية والتعاون الاقتصادي.
وبالتأكيد أن ما ينطبق على الاهتمامات البريطانية ينطبق على الاهتمام الأميركي في عصر (ترامب) والذي تحدث طويلا خلال حملته الانتخابية عن المصالح والفوائد التي يجب أن تكون متبادلة.. هذا يوفر للخليج فرصة عظيمة لإظهار كم كان اقتصاده النفطي مفيدا ونافعا للاقتصادات العالمية وتحديدا الغربية منها، وهذا أمر تفتقده إيران التي يتهاوى اقتصادها باضطراد وتهبط عملتها إلى الحضيض وتعف عنها الاستثمارات الغربية، ولا توفر أسواقها المتخلفة أي فرصة للتعاون مع الاستثمارات الأجنبية.
وكان ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة كان وجه دعوة رسمية لرئيسة الوزراء للحضور كضيفة شرف في القمة، وذلك خلال لقائهما في العاصمة البريطانية لندن في شهر أكتوبر الماضي.
رئيسة الوزراء البريطانية قالت إنها “تريد أن تفتح فصلا جديدا لمرحلة ما بعد بريكست عبر علاقتها مع دول الخليج”.
ومشاركة ماي بالقمة لم تكترث لاعتراضات جماعات حقوق الإنسان وهي قالت ردا على هذا “لا شك أن هناك بعض الناس في المملكة المتحدة يقولون إننا لا ينبغي أن نبحث عن علاقات تجارية وأمنية مع دول الخليج بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، لكننا لا نكون متمسكين بقيمنا وبحقوق الإنسان عبر إدارة ظهورنا لهذه المسألة إذ يمكننا تحقيق إنجاز أكبر عبر تسريع العلاقات والمشاركة مع هذه الدول والعمل معهم على تشجيع ودعم خططهم للإصلاح”.
وتقدر حكومة ماي فرص الشركات مع دول الخليج بنحو 30 مليار جنيه إسترليني في 15 مجالا مختلفا خلال السنوات الخمس المقبلة، وهذا مع حجم المبادلات الكبير مع المنطقة برأي ماي يوفر لبريطانيا الفرصة لتشجيع الإصلاحات في الخليج العربي مع خلق فرص جديدة لقطاع الأعمال حيث “تستطيع بريطانيا أن تكون قوة دافعة للخير في العالم، وأيضا نساعد في الحفاظ على أمن شعبنا”.
وقالت ماي “هذا العام يمثل ذكرى مرور 200 عام على بدء العلاقات بين البحرين ومرور قرن على العلاقات مع السعودية، لكن خلال السنوات الأخيرة لم تكن العلاقات مع دول الخليج وثيقة كما كانت من قبل، وأنا أريد أن أغير ذلك، فهناك الكثير الذي يمكننا أن نعمله معا، سواء بأن يساعد بعضنا الآخر في منع الهجمات الإرهابية، أو من خلال الاستثمارات الخليجية في المدن البريطانية، أو مساعدة شركات بلادنا للدول الخليجية، لتحقيق رؤيتها الإصلاحية على المدى البعيد”.
بدوره قال إدوين سموأل المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للصحافيين في دبي إن حضور رئيسة الوزراء البريطانية القمة الخليجية في المنامة “يؤكد أن انخراط بريطانيا ودورها الفاعل في المنطقة لا يزال قويا ولم يتأثر بالتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، كما يظهر أن العلاقات البريطانية – الخليجية كانت قوية في الماضي وستبقى كذلك الآن ومستقبلا.. ومما لاشك فيه أن قرار رئيسة الوزراء ماي أن تكون الزيارة الأولى لها إلى منطقة الشرق الأوسط، الى الخليج، والمشاركة في أعمال القمة الخليجية رسالة بريطانية قوية، بأن لندن لا تنسحب من العالم، وخصوصا المنطقة، بل تعزز علاقاتها مع الحلفاء والشركاء، كما تعني أن أمن ورخاء دول الخليج أولوية بارزة للحكومة البريطانية، فعلاقاتنا تتعدى المصالح الاقتصادية والتجارية إلى علاقات استراتيجية وشراكات في مختلف المجالات”.

تعليق واحد

أضغط هنا لإضافة تعليق

اترك رداً على وطن النهار إلغاء الرد