كتاب سبر

لا تقرأ

تحذير: هذا المقال ليس مخصصا لك.

ألم اقل لك “لا تقرأ”؟، بما انك و على الرغم من العنوان و التحذير استمريت بقراءة هذا المقال، فقد اثبت فعلا اننا شعب مستمر “باللقافة” اي “التطفل”، فصِرنا نتدخل في كل تفاصيل حياتك فنركز على مظهرك و لِباسك، فِكرك و معتقداتك، و نتطفل حتى على علاقتك بربك وعلى إهتماماتك و نتدخل بكل عنجهية في نياتك ‏الى ان امسى مصطلح “الخصوصية” منعدم، و صار فراغنا ممتليء بأمور و انشغالات غيرنا، بمعنى اننا في وقت الفراغ نسارع للبحث عن اخطاء الناس، بدلا من الاهتمام بأخطاؤنا لمحاولة اصلاحها.

هناك فرق شاسع ما بين التطفل و الفضول، فالاول هو ذلك الشغف المريض الذي يتفشى في صاحبه، فيزوّده بالإصرار للتدخل و معرفة كل ما يخص الآخرين، اما الفضول فهو حب الإطلاع و البحث عن الامور المفيده كأن يقوم الصحفي او المراسل او المذيع بدوره و عمله في تقصي الحقيقة، و لم تتوقف “اللقافة”  في مجتمعنا الى حد المعرفة فقط بل اصبح بعض “الملاقيف” اي” المتطفلين” يتدخلون في معتقداتك مثلا او نياتك و يستجوبونك عنها و كأنهم آلهة في الأرض.

لم تقف “اللقافه” عند حدودنا الشخصية فقط يعني عند اقربائنا و اهالينا و اصدقائنا، بل انها اصبحت عابرة للبيوت و العوائل فبعد التطفل على بعضنا البعض، لم نكتفي و اعطى لما ذلك شعورا بالملل لنكسر الروتين ذهبنا للتدخل في قضايا العوائل الاخرى، وليس هذا فحسب بل اصبحنا نطلق آرائنا بفلان و فلان حتى لو لم يكونوا من الشخصيات العامة و كأنهم طلبوا مشورتنا، فكأننا جياع ننتظر الاخبار و الاحداث لنأكل بعضنا البعض و من هنا تنطلق الاشاعات.

بما انك استمريت في القرآءة نقول “من راقب الناس ماتت امه”، و ليس مات هما، حيث ان الشخص الذي يقضي وقته بالمراقبة لن ينال وقتاً للاهتمام بوالدته مثلا فمن الطبيعي ان تموت هي الاخرى من العدم الاهتمام، فلطالما تطفلنا و حشرنا انوفنا بأمور تفوح منها رائحة اخطاء الغير و مصائبهم الى ان شبعت هذه الانوف نتانه، و لكن هل شممنا يوما رائحة اخطائنا و مشاكلنا لنحلها؟، او تطفلنا على همومنا الشخصية و لنتخطاها؟ او اجتهدنا باللقافه على افكارنا  التي تربت معنا بمرور الزمن لنتفحصها؟

نهايةً نؤكد ان كان الاشخاص يُخفون عنا امرا فذلك يعني انهم لا يريدون منا معرفته، و ان كانو يرتدون شيئا فذلك يعني انهم يرونه جميلا، و ان كانو يعتقدون بشيء فذلك يعني انه يعجبهم، فلا تعطي نفسك فرصة للتطفل على الناس مادامو لم يسمحو لك بذلك، فأصبح بعض الناس يصبون جل اهتمامهم رصد افعال الآخرين بينما يتناسون كم الاخطاء الموجوده فيهم و تناسوا ايضا قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)

فلا ادري ما هي المشكلة التي تمنعنا من ان نغير ما بأنفسنا قبل مراقبة الآخرين و محاولة تغيرهم، و من العجيب ان كلمة تطفل تنتهي بكلمة “طفل” و كلمة لقافة تنتهي بكلمة ” آفه” فلا تصبح انت الطفل الآفه، و اعان الله من عاش بين طفل و آفه.

تنويه: ان اهتميت بما لا يعنيك، ستهمل ما يعنيك.

بكيبورد/ حمد الخضري