أقلامهم

التطبيع الخليجي- العراقي!

زيارة وزير الخارجية عادل الجبير لبغداد اعتبرها العديد من المحللين مفاجأة دبلوماسية، ولكنها بالتأكيد تحمل مجموعة من المضامين السياسية، ومن بينها رسم ملامح لخريطة طريق قد تعيد تشكيل المنطقة، خصوصاً في أعقاب تولي الرئيس ترامب رأس الإدارة الأميركية، بالإضافة إلى ذلك فإن الانتصارات الميدانية للجيش العراقي في الموصل والقضاء على آخر معاقل «داعش» في العراق من شأنهما أن يزيدا من القيمة الاستراتيجية لبغداد وعودتها إلى محورية التأثير الإقليمي، لا سيما إذا نجحت الحكومة العراقية في لملمة بعض الملفات الداخلية الشائكة، وعلى رأسها احتواء الحالة الطائفية المتنامية، وتثبيت الاستقرار السياسي تمهيداً لعودة الدولة العميقة.

الامتداد الطائفي إقليمياً يفتح المجال أمام المملكة العربية السعودية للتأثير في بعض المكونات العراقية للانخراط في العملية السياسية بشكل أكبر، وبما يساهم في تعزيز الجانب الأمني، خصوصاً في محافظات الوسط العراقي، كما أن الخبرة العراقية في محاربة الإرهاب وبنك المعلومات الاستخباراتية الذي بات يملكه من جراء الصيد الثمين للعديد من قياديي الجماعات المسلحة وأهمها «داعش» لا شك أنها محل اهتمام الرياض وواشنطن، بعد التعهد بمواصلة احتواء شبكته الإقليمية والعالمية حتى بعد القضاء عليه في العراق.

البعد الآخر من الزيارة بالتأكيد يتعلق بالعلاقات العراقية– الإيرانية في إطار المساعي الجديدة في احتواء إيران سياسياً واستراتيجياً، فالعلاقات بين طهران والعراق تكاد تكون الأقوى على الإطلاق بالنسبة إلى العراقيين وعلى كل المستويات، ولعل هذا كان أحد الأسباب الرئيسة في برودة العلاقات العراقية– الخليجية خصوصاً السعودية منذ سقوط نظام صدام حسين، وقد يكون من الصعوبة بمكان تحويل البوصلة العراقية بالكامل في الاتجاه المعاكس تماماً وبهذه السرعة، خصوصاً أن العراقيين لديهم ملاحظاتهم الخاصة على الملفات الساخنة في المنطقة، ولذلك مهما كانت التخمينات والتفسيرات عن هذه الزيارة فإن العقل والمنطق وظروف المنطقة وحساسيتها تستدعي تنشيط الدور الدبلوماسي وفتح أبواب الحوار بشأن القضايا الإقليمية مهما كانت صعبة ومتداخلة، ولعل العراق بعمقه الاستراتيجي مؤهل لاستعادة دور مهم كمحور عربي وإقليمي، إذا ما تجاوز عقبة الإرهاب وإعادة بنائه السياسي في الداخل، وقد يبرز مجدداً كعمود ارتكاز في أي توازنات جديدة، ولذا فإن من مصلحة الجميع في المنطقة استثمار العراق في مشاريع الانفراج الإقليمي مستقبلاً بسبب علاقته مع إيران من جهة، وتطبيع علاقاته مع دول مجلس التعاون، وتحديداً جارته المباشرة المملكة العربية السعودية، وكذلك إعادة تأهيل علاقته مع تركيا من جهة ثانية، لأنه الأكثر دراية بويلات الحروب الخارجية منها والداخلية!