أقلامهم

روسيا تدافع عن نفسها لا الأسد

كتبنا بالأمس عن ورطة بشار الأسد بعد الضربة الأميركية، ونفيه لجريمة خان شيخون الكيماوية بالقول إنها عمل «مفبرك مائة في المائة». إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يقول إن هناك أدلة على أن التقارير التي تشير إلى وقوع هجوم كيماوي في بلدة خان شيخون كانت «ملفقة».
تصريحات لافروف هذه جاءت يوم الجمعة خلال مؤتمر صحافي عقده مع كل من وزير خارجية النظام الأسدي، ووزير الخارجية الإيراني، في موسكو. فهل لافروف والأسد يقرآن من الصفحة نفسها؟ وهل لافروف يدافع عن الأسد؟ ربما يقرآن من الصفحة نفسها، لكن الواضح هو أن الدوافع مختلفة. ويبدو أن لافروف لا يدافع عن مجرم دمشق بقدر ما يدافع عن روسيا التي تعهدت بإزالة ترسانة الأسد الكيماوية عام 2013، وبعد أن استخدمها ضد السوريين، وفعلت موسكو ذلك حينها لتجنب الأسد مغبة عواقب الخطوط الحمراء التي حددها الرئيس السابق أوباما، الذي تساهل حينها مع جريمة الأسد، وغض النظر عنها بحيلة روسية مفضوحة. اليوم اختلفت المعادلة، وتحديداً بعد الضربة الأميركية، كما أنه لم يعد بمقدور الروس لعب دور الوسيط النزيه بعد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية مجدداً، حيث لا يمكن التعويل على مصداقية الروس في سوريا.
ولذا فمن المذهل أن يطالب الروس، ومعهم الإيرانيون، والنظام الأسدي، وعلى لسان لافروف، بضرورة إجراء تحقيق شامل ونزيه حول الهجوم الكيماوي في إدلب، نقول مذهل لأن الروس أنفسهم عرقلوا مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، باستخدامهم الفيتو للمرة الثامنة لحماية الأسد، من إدانة الهجوم بالغاز السام، والضغط على الأسد للتعاون مع تحقيقات دولية حول تلك الواقعة! نقول «مذهل» أيضاً لأن الأسد نفسه صرح لوكالة الصحافة الفرنسية قائلا: «بحثنا مع الروس خلال الأيام القليلة الماضية بعد الضربة أننا سنعمل معهم لإجراء تحقيق دولي. لكن ينبغي لهذا التحقيق أن يكون نزيهاً»، ومضيفاً: «يمكننا أن نسمح بأي تحقيق فقط عندما يكون غير منحاز، وعندما نتأكد أن دولاً محايدة ستشارك في هذا التحقيق، كي نضمن أنها لن تستخدمه لأغراض سياسية».
وعليه فمَن المخول للقيام بتحقيق مثل هذا؟ وكيف يكون دولياً دون أن يكون تحت مظلة المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة؟ هل المطلوب أن يقوم الروس بالتحقيق، ويكرروا مهزلة المراقبين العرب في سوريا؟ أمر غريب، ويشي بأن الروس لا يدافعون عن الأسد بقدر ما يحاولون حماية مصداقيتهم، ولذا عطلوا مشروع القرار الأممي، ويريدون، أي الروس، تحديد تعريف جديد لـ«النزاهة»، وخارج مظلة مجلس الأمن. تفعل روسيا كل ذلك ليس دفاعاً عن الأسد، وإنما دفاعاً عن مصداقيتها التي تلاعب بها الأسد، وهذه لعبته، أي الكذب، لكن من يصدق موسكو الآن؟ فهل القتل بالكيماوي مختلف عن القتل بالبراميل المتفجرة، أو يختلف عن قتل السوريين بأسلحة روسية – إيرانية؟