آراؤهم

هل تراجع مسلم البراك؟

في كثير من المواقف والمشاهد عبر التاريخ يكون المعتقل نقطة تحول كبيرة ما بين الماضي والمستقبل في حياة أصحاب القضايا النبيلة، وما يترتب على ذلك من مراجعات متكررة في القناعات وربما المبادئ وأيضا التغيير في أسلوب التعامل مع المواقف ولا يأتي هذا إلا بعد جلد الذات المستحق في المعتقل، ورؤية الحقيقة كما هي وكما ينبغي أن تُرى، ولنا في التجربة التركية خير مثال لهذه الفكرة، في مسيرة الإصلاح التي تبناها أردوغان قد اعتقل أكثر من مرة دون جدوى في التغيير الذي يتطلع إليه، إلى أن انتبه أنه من الخطأ فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة كما يقول أينشتاين، فاتخذ قراره الشجاع بالتغيير في التعامل مع المعطيات وفهم الواقع السياسي والعمل على فن الممكن وكانت النتيجة أن صار رئيسا للجمهورية التركية.

كل شيء يتغير ولابد أن نجاري هذا التغيير، ومن هذا المنطلق كان خطاب النائب السابق مسلم البراك للشعب بعد خروجه من المعتقل وربما بعد المراجعات التي توقف عندها كثيرا، فالمراجعات المتكررة أمر لابد منه في الحياة كما يقولون، ومنها تداركه للخطأ الذي وقعت فيه المعارضة الإصلاحية على حسن نية في التركيز على العمل البرلماني على حساب المنظومة السياسية الشاملة، لم يكن الخطاب كما كان متوقعا من التصعيد ورفع السقف والتهديد والوعيد، بل جاء على عكس ذلك كله، فكان خطابا يحمل في طياته خارطة الطريق المنشودة، وفيه رسائل تحمل المعنى الكبير والعظيم في إدراك معطيات الساحة السياسية وما هو المطلوب في تحقيق غاية الإصلاح والاستقرار التي ينشدها الشعب.

ربما كان من قدر مسلم البراك أن يكون في هذا الموقف من الساحة السياسية في الكويت، وأن يتصدر زعامة المعارضة لأجل الإصلاح لا من أجل غيره كما تحاول أن تصوره لنا مراكز الفساد وأدواته، لذلك تنتظره الكثير من الاستحقاقات التي تتطلبها المرحلة الحالية، ومن هذه الأمور هو وضوح الرؤية والهدف التي تريد المعارضة الإصلاحية تحقيقها وهذا لا يأتي إلى بفقه الواقع السياسي في دولة الكويت فكما يقولون مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، ومن الاستحقاقات أيضا ترتيب صف المعارضة الإصلاحية وتوحيد الكلمة لتكون كلمة سواء فالمرحلة الحالية ليست مرحلة تنظير وفرد عضلات بل هي مرحلة إنجاز ورد حقوق ورفع مظالم، فعند وضوح الرؤية واجتماع الكلمة تتضح السبل والوسائل التي ستتخذ في مسيرة الإصلاح مما ينتج عنه تحقيق الغايات المرجوة.

في شأن النضال السياسي ليس هناك فوز مستمر ولا خسارة باقية، ولا يكون هناك صديق دائم أو عدو دائم، والأيام القادمة قد تكون حبلى بالكثير من المفاجآت الغير متوقعة، لا شيء يبقى كما هو فبين غسق وشفق قد ينقلب حال المرء، ليكتشف أنه قد أمسى على حال غير الذي أصبح عليه.