آراؤهم

كوكب ترمب .. صديق التلوث

هز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم بقراره في أول يونيو (2017) بالانسحاب من اتفاق باريس للتغير المناخي. و الذي قد يؤذي الاتفاقية وانما قد يؤذي العالم بأكمله ،حيث أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس العالمية لمكافحة التغير المناخي، معللاً ذلك بأنه من أجل “حماية أميركا وشعبها”، لكن هذا القرار الذي كان البعض يعتبرون أن ترامب يلوّح به فقط من غير أن يُقدم عليه بالفعل بات أمراً حقيقاً، مما أثار ردود فعل في الداخل الأميركي وفي العالم بأكمله والتي كانت تندد به بشدة واعتراض كبير ، واعتبر بعض الخبراء أن لهذه الخطوة مساوئ كثيرة على التغير المناخي كما على الولايات المتحدة نفسها، ومنهم لم يعطه الاهمية الكبيرة .

وقد اعتبر ترامب أن “الاتفاقية ظالمة إلى أقصى حد بالنسبة للولايات المتحدة” وأنه سيبدأ في مفاوضات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد يكون أكثر عدلاً ، مبررا ذلك “أن هذه الاتفاقية تضعف الولايات المتحدة وتعطي مزايا اقتصادية لدول أخرى تعد الأكثر إصداراً للتلوث”، معتبراً أن الاتفاقية تعيق قدرات الولايات المتحدة الاقتصادية وتكلفها مليارات الدولارات وتزيد التكلفة على الشعب الأميركي، وتعهد بالخروج من أية اتفاقية “لا تضع أميركا أولاً” ومن المعلوم أن العلاقة الأهم التي أفضت إلى التوصل إلى اتفاقية باريس للمناخ كانت تلك العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، فقد نجح الرئيسان باراك أوباما وشي جينبينغ في التوصل الى قدر كاف من التفاهم، أتاح لهما تشكيل ما عرف بـ “ائتلاف الطموحات الكبيرة”، ضم دولاً صغيرة علاوة على الاتحاد الأوروبي.

ما هو اتفاق باريس للتغير المناخي؟
في كانون الأول/ ديسمبر 2015 أنعقد مؤتمر باريس وخرج بإتفاقية دولية للمناخ، حققت إجماعاً عالمياً بموافقة 195 دولة،من بين الـ 197 بلدا الأعضاء في مجموعة الأمم المتحدة للتغير المناخي (بغياب سوريا ونيكاراغوا)، وحدتها مهمة مكافحة التغيرات المناخية واَثارها، بإتخاذ الإجراءات الحاسمة للحد من الأحترار العالمي وتقييده من خلال حزمة من الإجراءات والتدابير لخفض نسبة غازات الدفيئة المسببة للإحتباس الحراري.وتم التوقيع على الإتفاقية في نيويورك في 22/4/2016.
لقد إستندت الأتفاقية والأجماع العالمي الذي حظيت فيه وقل نظيره، على أدلة علمية رصينة وإثباتات قاطعة، وعلى تعاون دولي منقطع النظير، وضع جانباً الخلافات لتكريس الجهود الأممية من أجل معالجة تحد عالمي ضخم جداً. وأثبت التعاون البناء إمكانية النجاح،الذي بنيّ على أسس الإستثمار في هدف عالمي نبيل هو إستمرارية البشرية التي لا يحق لأي كان ومهما كان التخلي عنه.

الهدف طويل المدى: ويتمثل في محاولة الحفاظ على زيادة متوسط درجة الحرارة العالمية بنهاية القرن الحالي في حدود أقل بكثير من درجتين مئويتين، فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، ومواصلة الجهود الرامية إلى عدم تجاوز هذه الزيادة حد 1.5 درجة مئوية، من خلال الحد من معدل الانبعاثات الغازية المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض (المادة 2 والمادة 4).
آلية لرفع وزيادة الطموح: من خلال الاتفاق على مراجعة مساهمة كل دولة في تقليل معدل انبعاثات الغازات بها كل خمس سنوات، بدءًا من عام 2023، حتى تتمكن كل دولة من مراجعة سياساتها بهذا الخصوص، بما يضمن تحقيق غرض الاتفاق وأهدافه طويلة المدى (المادة 14).
التمويل: فمن المنتظر أن تتماشي التدفقات المالية من الدول المتقدمة إلى الدول النامية مع مسار يؤدي إلى خفض هذه الانبعاثات، مع ضمان التزام الدول الغنية بتقديم ١٠٠ مليار دولار على الأقل سنويًا بحلول عام ٢٠٢٠ لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة التغير المناخي، على أن يراعي ذلك الحاجة إلى أن تكون هذه الأموال من مصادر عامة، وفي شكل منح (المادة 9).
الخسائر والأضرار: تم الاتفاق على أن تقدم الدول المتقدمة الدعم المالي والفني لمساعدة الدول النامية على التكيف مع الأضرار والخسائر المترتبة عن التغير المناخي، بما في ذلك الظواهر الجوية القصوى والظواهر البطيئة الحدوث، ويشمل ذلك توفير نظم الإنذار المبكر، والاستعداد للطوارئ، وتسهيلات التأمين ضد المخاطر، وغيرها (المادة 8).

إنسحاب ترامب من إتفاقية باريس وجهله بالنتائج
تعتبر أمريكا ثاني أكبر دولة في العالم بعد الصين مسؤولة عن تلويث البيئة بمعدل 15% من مجموع الانبعاثات الكربونية عالميا كما أنها أيضًا مصدر رئيسي للتمويل والتكنولوجيا التي تعتمد عليها الدول النامية في محاربة ارتفاع درجات الحرارة. كذلك ثمة مخاوف أيضًا من اتباع دول أخرى للولايات المتحدة في نهجها هذا أو إبداء التزام أقل بأهداف اتفاق باريس، مما يعني إفراغه من محتواه تدريجيًا. ومن ناحية ثانية، سيكون انسحاب واشنطن مؤثرًا للغاية من حيث زيادة صعوبة وفاء الدول النامية، ومنها مصر، بالتزاماتها في ظل اتفاق باريس، الذي وقعته كثير من الدول النامية بعد أن حددت الدول الغنية هدفًا بجمع تمويل لمواجهة التغير المناخي، يبدأ من 100 مليار دولار في السنة اعتبارًا من عام 2020 لمساعدة الدول الفقيرة على التخفيف من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والتكيف بشكل أفضل مع موجات الحرارة والفيضانات والعواصف وارتفاع مستويات البحار.
وربما يؤدي الانسحاب الأمريكي من اتفاق باريس إلى الإضرار بالشعب الأمريكي ذاته ومصالحه في مجالات الصحة والأمن والغذاء والوظائف، ومستقبل صناعاته الأكثر تفوقًا في العالم، كتلك المرتبطة بالصناعات التكنولوجية والرقمية وغيرها. وقد كانت ابنة ترامب – ايفانكا من المنادين بعدم الانسحاب من الاتفاق. ومن المؤيدين للموقف ذاته من داخل الإدارة الأمريكية الحالية وزير الخارجية ريكس تيلرسون، بالإضافة إلى دوائر الأمن القومي التي عبرت عن قناعتها بأن التغير المناخي أصبح يمثل أحد تهديدات الأمن القومي الأمريكي. وفيما يتعلق بالشركات الأمريكية الكبرى، فقد أعلن عدد كبير منها عن معارضته لقرار ترامب بالانسحاب من اتفاق باريس،وكان على رأسها شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل: تيسلا موتورز، وجوجل، وفيسبوك، وآبل، المعروفة باتخاذها إجراءات طوعية لتقليل الانبعاثات الكربونية. وكان من بين الشركات التي أبدت اعتراضها أيضًا على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق شركات كبرى في عالم الصناعة، مثل: جنرال إلكتريك، وجنرال موتورز، وفورد، وبيبسي، وأيضًا من أكبر الشركات في عالم المال، مثل: جي بي مورجان تشيس. وينبع ذلك من أن كل هذه الشركات ترى أن الالتزام بمعايير تقليل الانبعاثات الكربونية، وفقًا لاتفاق باريس، يصب في مصلحتها، ويجنبها مستقبلًا عزوف المستهلكين والمستثمرين عن التعامل معها إذا ما انفصلت عن الاتجاه العالمي في هذا الإطار.

ستشمل التداعيات السلبية لانسحاب الولايات المتحدة كذلك الجوانب المالية لاتفاقية باريس، فالاتفاقية تنص على أن تقدم الدول المتقدمة مساعدات اقتصادية للدول النامية في حدود 100 مليار دولار سنوياً بداية من العام 2020 منها ثلاثة مليارات دولار ستدفعها الولايات المتحدة لتشجيع هذه الدول على المضي قدماً في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة.
ولكن حتى مع إجماع الخبراء على أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس، ستكون له تداعيات سلبية، فإنهم يختلفون في تقييم حجم هذه الانعكاسات وأهميتها، فبينما ذهب البعض إلى أن تأثيره قد يصل إلى حد انهيار الاتفاقية برمتها أو فشلها في تحقيق الأهداف التي حددتها على الأقل، فإن البعض الآخر يرى أن تأثير الانسحاب الأميركي مبالغ فيه، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها أن الولايات المتحدة لا تساهم حالياً إلا بـ 15% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بينما تساهم الصين بنسبة 29% مقابل 17,9% للولايات المتحدة و23,6% للصين عام 2009، وهو ما يدل على أن تأثير الولايات المتحدة ينحسر شيئاً فشيئاً مقابل زيادة تأثير دول أخرى، مثل الصين والهند.
ومما سيحد من تأثير الانسحاب الأميركي بحسب الخبراء إعلان ولايات أميركية مثل كاليفورنيا (سادس أقوى اقتصاد في العالم) ونيويورك مضيّهما قدماً في تنفيذ الاتفاقية، حتى وإن أعلنت الحكومة الفيدرالية انسحابها منها، وذلك بمواصلة برامج الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والناتجة عن محطات توليد الكهرباء وعن السيارات.
وعلى الرغم من قرار ترامب، ستواصل الانبعاثات الكربونية التي تنفثها الولايات المتحدة الانخفاض، وتشير التقديرات إلى أن هذه الانبعاثات ستنخفض بوتيرة تبلغ النصف مما كانت تخطط له ادارة الرئيس أوباما، أما السبب في ذلك، فيكمن في أن الولايات المتحدة تعتمد على الغاز الطبيعي في توليد الطاقة الكهربائية أكثر من اعتمادها على الفحم الحجري.
وهكذا يتبين بعد استقرار الآراء وبعد البحث المعمق في المسألة، أن تأثير الانسحاب لن يكون كبيراً وأن الولايات المتحدة لا يمكنها إلا أن تكون مساهمة أساسية في حماية الكوكب، أياً تكن سياسات إدارتها التي تبدو أنها ترمي إلى أهداف محلية أكثر منها عالمية أو كونية.
هذا وقد دفعت الولايات المتحدة 500 مليون دولار لصندوق الأمم المتحدة الأخضر للمناخ الذي يهدف إلى مساعدة الدول النامية على مكافحة التغير المناخي، حسبما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية.
وجاءت تلك الخطوة قبل ايام من تسليم السلطة في الولايات المتحدة للرئيس المتنخب دونالد ترامب، الذي وصف التغير المناخي بأنه “خدعة” ودعا إلى وقف التمويل الأمريكي الذي يتحمله دافعو الضرائب لبرامج مكافحة الاحتباس الحراري التي تقودها الأمم المتحدة.
وكما تعهدت الولايات المتحدة عام 2014 بتقديم ثلاثة مليارات دولار للصندوق الأخضر للمناخ لمساعدة الدول الفقيرة والمُعرضة للتغير المناخي على الانتقال إلى مشروعات تتبنى تكنولوجيا الطاقة النظيفة وبناء دفاعاتها في مواجهة تغير المناخ.