كتاب سبر

سقوط كركوك.. تدخل إيراني و ضعف داخلي

منذ إعلان القيادة الكردية عن موعد الاستفتاء لاستقلال كردستان عن العراق ، ظهر العديد من الأصوات المعارضة لهذه الخطوة سواءً على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي ، و بدأت الحكومة العراقية و الجماعات المسلحة التابعة لها تهدد أربيل من مغبة هذه الخطوة مع تهديدات مستمرة من قبل الحكومة التركية التي ربطت بين هذه الخطوة وبين أمنها القومي ، وتحذيرات داخلية من قبل بعض الأحزاب و القيادات السياسية التي كانت تعارض خطوات البارزاني و يعتبروه مجازفا بإنجازات الكرد التي تم تحقيقها حتى هذه الفترة.

وفي ظل هذا الضجيج و التهديدات كانت إيران تهدئ خطابها الإعلامي ضد كردستان ولكن بالمقابل تزيد من تركيز نشاطها العملي داخل كردستان في سبيل عرقلة الاستفتاء و منعه من رؤية النور على أرض الواقع ، وهذا ما أدى للجنرال قاسم سليماني القيادي في الحرس الثوري الإيراني أن يقضي أغلب أيامه في العراق و يسخر كل طاقاته في سبيل التأثير على الأحزاب الكردية و تشكيل جبهة كردية عراقية لتحجيم البارزاني و إضعافه في الساحة الكردية دون تصوير الأمر على أنه صراع إيراني كردي بل تصويره على أنه مجرد نزاعات داخل الأحزاب الكردية تسببت في الانسحاب من كركوك و المناطق المتنازع عليها ، و على أرض الواقع نجح قاسم سليماني في تحقيق هذا السيناريو عن طريق استغلال بعض الثغرات الوجودة في الساحة الكردية والتي كانت من المفترض أن يتم معالجتها قبل التوجه للاستفتاء حتى يكون البيت الكردي الداخلي محصنا ضد محاولات اختراقه سواءً من إيران أو من أي جهة أخرى .

إيران استغلت عدم وجود الثقة الكافية بين الأحزاب الكردية الداخلية وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني الكردستاني ، و الحزبان فشلا في تكوين تحالف حقيقي خلال هذه الفترة حتى لو كان تحالفا اقتصاديا و تجاريا يقوم على حماية المصالح المادية للطرفين ، ولكن المماطلة و عدم إدراك الخطر الحقيقي لهذه الخلافات تسببت في تسهيل اختراق الداخل للبيت الكردي و توجيهه بطريقة يخدم مصالحه و يعيد المشروع الكردي سنوات إلى الوراء.

والأمر المهم الآخر هو عدم توحيد قوات البيشمركة ، إذا عدنا إلى الوراء و سمعنا خطابات القيادي الكردي الراحل نوشيروان مصطفى في عام 1992 أي بعد عام واحد من الانتفاضة الكردية و إخراج القوات العراقية من محافظات الإقليم وتشكيل البرلمان في كردستان كان يقول دائما علينا إخراج البيشمركة من المدن لحماية الحدود و توحيدها تحت قيادة واحدة و يكون لديها عقيدة وطنية وليس عقيدة حزبية كما هو موجود الآن ومنتشرة على عدة قيادات عسكرية قد لا تتفق فيما بينها إلا نادرا.
من المؤسف أنه مضى 26 سنة على هذا الكلام ولم يتم تطبيقه ، و من المعروف أن ما حصل من الانسحابات في كركوك و باقي المناطق يعود إلى عدم وجود قيادة موحدة للبيشمركة وعدم وجود العقيدة العسكرية الوطنية التي تجعل من البيشمركة كتلة واحدة وليست مجزأة على القيادات العسكرية داخل الأحزاب الموجودة.
كثير من النخبة الكردية نجحت في امتصاص الصدمة التي حصل من تراجع الأكراد إلى حدود 2003 وخسارة المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك التي يعتبر مقدسا عند الأكراد ، وبدأت النخبة في المطالبة بعلاج المشاكل الداخلية التي تسببت في حدوث هذا الفشل و معاقبة المسؤولين عنها حتى لا يتكرر مستقبلا.
ظاهريا ما حصل هو ضربة للمشروع الكردي في العراق الذي كان قريبا جدا من تحقيق حلم الاستقلال، ولكنه قد يكون فرصة لحل المشاكل الموجودة داخل القيادة الكردية و داخل البيشمركة و داخل الأحزاب الحاكمة و ظهور وجوه جديدة تستطيع مواجهة الواقع الحالي و تعمل وفق خطط و برامج و دراسات لتحقيق أهداف القومية الكردية في العراق مستقبلا.