كتاب سبر

المشهد الكردي بعد تداعيات الاستفتاء

بعد إعلان واشنطن أنها سوف تتعامل مع نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق وقباد طالباني نائب رئيس الحكومة من الواضح أن هناك تغيير كبير في الحياة السياسية في كردستان العراق و أن القيادات الشابة هي التي تدير الحكومة بعد خروج القيادات السابقة عن الواجهة السياسية وخاصة بعد التداعيات السلبية للاستفتاء الذي جرى في 25 سبتمبر والذي تسبب في خسارة الأراضي المتنازع عليها و تدهور علاقات كردستان العراق مع الحكومة المركزية والدول الاقليمية وحتى أغلب دول العالم.

وفي سبيل إصلاح ماجرى نرى اليوم الوجوه الشابة هي التي تبرز على الساحة السياسية الكردية والتي تكون قادرة على القيام بما عجز عنه السابقون القيام به من قيادات الجبال التي ناضلت في الجبل ولكنها لم تنجح في تأسيس عناصر الحوكمة السليمة و إنشاء مؤسسات حقيقية داخل كردستان و تمتين العلاقات الاجتماعية و ضمان الأمن الغذائي وتوحيد قوات البيشمركة و تفعيل قدرات الشباب الكثيرة في سبيل خدمة الحكومة و الوطن و المواطنين.

ولكن كما يُقال “أن تصل أخيرا خير من أن لاتصل” ومن الواجب الحديث هنا عن القيادي الكردي المعروف نوشيروان مصطفى الذي توفى في 19/05/2017 في مدينة السليمانية والذي كان مناضلا ومقاتلا شرسا في الجبال و أيضا مفكرا سياسيا و مؤلفا للعديد من الكتب الأدبية والسياسية ماجعله متميزا عن باقي القيادات الموجودة و معارضا للوضع القائم الذي ساد في الاقليم بعد 1991 وعلى وجه الخصوص بعد 2003 حيث تمتع الاكراد بقدرات كثيرة كان بإمكانهم بناء دولة حقيقية ولكن بسبب نقص الخبرة وكثرة الفساد الإداري والمالي تأخروا عن إنجاز الكثير من المشاريع و البرامج التي كانت سوف تساهم في إنجاح أي فكرة مستقبلية نحو الاستقلال.
نوشيروان مصطفى كان نائبا للطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني ولكن بسبب كثرة انتقاداته للحزب والحكومة قرر إعتزال الحزب عام 2006 و في عام 2009 أعلن عن تأسيس حركة التغيير المعارضة ليخلق حراكا داخل الجمود السياسي الكردي واحتكار السلطة من قبل الحزبين الحاكمين.
يقول نوشيروان مصطفى في احد مقاطع الفيديو النادرة له بعد شهور من الانتفاضة الكردية عام 1991 موجها كلامه لبعض القيادات الاسلامية: أنا أطالب بعزل قيادات الجبال للحياة السياسية وترك الأمر للقيادات الشابة لأنها أقدر على إدارة الحكومة، أنا أعترف أنني أفضل بكثير من القيادات الحالية فأنا أجيد العربية والكردية والفارسية والالمانية والإنجليزية ولكن رغم ذلك لا أرى نفسي مؤهلا لأخذ منصب المحافظ في السليمانية، فنحن طوال هذه السنين حاربنا منظومة الدولة وتعلمنا طريقة ضرب الحكومة فالآن لانستطيع إدارة الحكومة والدولة والمحارب الجيد لايعني أنه سياسي جيد”
هذه الكلمات لو تم تطبيقها على الواقع الكردي لكان هناك إختلاف كبير داخل كردستان العراق ولكن تم بسبب قلة الخبرة و عدم سماع الانتقادات إستمر الوضع القديم و أصبح كل طرف يفتخر بنضاله في الجبال لإعطاء شرعية الثورة لنفسه دون أن يعلم أن الثوري مهمته ينتهي بانتهاء النظام الفاسد وبعدها يجب عليه تسليم الحكم لأهله ولايصر على البقاء والاستمرار في الحكم لأنه قد يتسبب في تدمير وتشويه إنجازاته السابقة أيضا.
وكما يقول جورج ارويل في كتابه مزرعة الحيوان: “وراء كل ثائر ديكتاتور يخبيء نفسه “.
المشهد الكردي بعد تداعيات الاستفتاء سيكون مختلفا تماما عن السابق و سيكون للشباب دور كبير في الحكومة و في مؤسسات الدولة لقناعة الأحزاب الحالية بضرورة التغيير أو الفناء و بسبب الضغط الخارجي وخاصة الأمريكي الذي تجسد في البيان الأمريكي حول دعم الحكومة، ولكن من المهم للحزبين الحاكمين في كردستان وباقي الأحزاب أن تدرك أن تقديم الشباب للواجهة والحكم هو من أهم الخطوات نحو البقاء والاستمرارية والتقدم والتطور وعليها أن ترسم سياسة إستراتيجية لتطبقق هذه السياسة داخل جميع الأحزاب بدل إستخدام طاقات الشباب كوقود في خدمة الوجوه القديمة و بالتالي عدم حصول تغييرات حقيقية في المشهد.