كتاب سبر

مراجعة لكتاب “الصراع السياسي و التحيز للحضر في الصحافة الكويتية المعاصرة”



الكتاب عبارة عن مجموعة من دراسات وأوراق ومقالات بحثية نُشرت في عدة مواقع وتواريخ مختلفة والقاسم المشترك ما بينها هو حجم الإطار (الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي) التي تعمل به الصحافة بدولة الكويت. تكمن أهمية هذه الأبحاث والدراسات التي ترجمها الباحث السعودي حمد العيسى وجمعها في كتاب واحد هو تشابه ظاهرة الدراسة وتنوع الأساليب البحثية؛ مما ساهمت في تغطية بعض المساحات المسكوت عنها. يتكون الكتاب الصادر من دار منتدى المعارف للنشر في عام ٢٠١٨ من إحدى عشر دراسة (فصل) تطرقت لدور الصحافة الكويتية في الحقل السياسي والاجتماعي وتطورها منذ سبعينات القرن الماضي حتى عام ٢٠٠٦ لا سيما بعد صدور قانون المطبوعات والنشر والذي وصفه الباحث النرويجي كتيل سلفيك وآخرون بعملية (لبرلة قانون الطبوعات).
عنوان الكتاب لا شك بأنه جاذب للنظر والتفكير، وهذا تصرف واختيار جيد من المترجم والمعد، وأعتقد أن سبب اختياره قائم على حالة تم إهمالها بحثياً على الرغم من أهميتها وحجمها المؤثر على المجال السياسي والاجتماعي في دولة الكويت. وقد يعود سبب ندرة الدراسات العربية ولا سيما التي كتبها الباحثون عن الحركة الصحفية كأحد أطراف الصراع السياسي إلى كثرة التابوهات – التي منعت توزيع هذا الكتاب ونشره في الكويت – التي أثرت على حجم الإنتاج البحثي ورصانته ، وخاصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبعبارة أخرى ما تطرقت له دراسات هذا الكتاب لم تأتي بجديد بالنسبة للمتابع والباحث والصحفي الكويتي، ولكن الجديد فيه والذي يمكن ملاحظته هو أن هذه الدراسات المترجمة قد أسقطت الضوء على بعض المناطق و المساحات البعيدة عن التفكير أو المواضيع المثيرة للقلق الاجتماعي و التي لا يوجد نافذه علمية تساعد على تحليل تفاصيلها.
لا يمكن قراءة محتويات الكتاب دون التوقف عند الفصل السابع أو دراسة (لبرلة قانون المطبوعات والتحيز للحضر في الصحافة الكويتية: انتخابات ٢٠٠٩ انموذجا) والتي شارك بإعدادها الباحثين النرويجيين كتيل سلفيك، وجون نوردينسون، والباحث الأثيوبي تويدروس كيبيد، وذلك لأهمية النتائج التي توصلت إليها. يعلق العيسى في مقدمة الكتاب على هذه الدراسة بأنها ” أثبتت بالإحصاءات وجود تحيز للحضر على حساب القبائل أو سكان المناطق الخارجية، في الصحافة اليومية الورقية خلال انتخابات مجلس ٢٠٠٩، ومن هنا فكرت في تغيير عنوان الكتاب، ليعكس هذه المفاجأة غير السارة لقبائل الكويت”.
تناقش هذه الدراسة – الفصل السابع – أثار قانون المطبوعات والنشر (الصادر في عام ٢٠٠٦) السياسية، والذي أدى إلى زيادة عدد الصحف الكويتية المطبوعة من ٥ إلى ١٥ صحيفة أي بنسبة ٣٠٠ ٪، وذلك ما بين عامي ٢٠٠٦ – ٢٠٠٩. وتفترض الدراسة بأن وصول أغلبية موالية للحكومة في برلمان ٢٠٠٩ هو نتاج لدور الصحف الكويتية وتأثيرها، ولكن هذا ما لم تثبته النتائج التي توصل إليها الباحثون عبر تحليل بيانات انتخابية صادرة من ١٤ صحيفة مطبوعة باستثناء صحيفة (الصباح) والتي لم يتمكن الفريق البحثي من الحصول على أي بيانات منها (أخبار، صور، تصريحات … الخ) في فترة الانتخابات. وعبر لغة الإحصاء والأرقام اثبتت الدراسة بأن هناك تحيز صحفي باستثناء صحيفة (عالم اليوم) للمرشحين الحضر على حساب المرشحين القبائل لا سيما في الدائرة الرابعة والخامسة.
ويعزو الباحثين هذا التحيز إلى المرشحين الحضر لعدة أسباب، أولها: قوة التحالفات التاريخية ما بين النخبة التجارية (الحضر) والأسرة الحاكمة والذي ساهم بدوره في تشكيل قوة سياسية للأسر التجارية مكنتها من السيطرة واحتكار الحقل الصحفي المتمثل في خمسة صحف (الرأي العام – الراي حالياً بعد بيعها وانتقال ملكيتها من التاجر عبد العزيز المساعيد إلى رجل الأعمال جاسم بودي -، الوطن، السياسة، القبس، الأنباء) لمدة ثلاثة عقود وذلك منذ منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى عام ٢٠٠٦. وثانيها: عدم توافر القوة الاقتصادية لدى القبائل التي تساعد على تأسيس صحيفة على غرار المكونات الاجتماعية الأخرى خاصة بعد عام ٢٠٠٦. وثالثها: لم تكن القبائل مستعدة للتعامل مع تحولات الحركة الصحفية المفاجئة، وفضلاً عن ذلك بعدهم عن دوائر صنع القرار. وتشرح الأكاديمية الكويتية فرح النقيب واقع القبيلة السياسي والاقتصادي بقولها إنه ” في حين سعت الحكومة إلى استيعاب سكان القبائل سياسياً لتستفيد منهم ضد المعارضة الحضرية، فإنها سعت في الوقت نفسه أيضاً إلى إقصائهم اقتصادياً واجتماعياً، بل وحتى جغرافياً، عبر فصلهم مكانياً عن السكان الحضر “.
الكتاب يقودك بسلاسة لفهم طبيعة عمل الصحافة الكويتية واتجاهاتها ومصالحها وتطورها والتي تشكل أهم مواضيع الصراع السياسي. وبالرغم من أهمية محتويات الكتاب، إلا أنني أرى أن الدراسة السابقة (الفصل السابع) هي الأهم ولعل ذلك يعود إلى اهتمامي البحثي بموضوع تفاعل القبيلة وموقعها في الحقل السياسي لا سيما في دولة الكويت.
تطرقت في مقالات سابقة لأهم أسباب تطور القبيلة ويقظتها السياسية في مرحلة تغيرت فيها لغة ابن القبيلة وتفكيره واهتماماته، وهذا مما لا شك كان بمثابة ثورة تغييرية على مستوى مخرجات القبيلة السياسية وأقصد بذلك نواب البرلمان الكويتي ومستويات أخرى. كما أن حوارات أبناء القبائل لم تعد محصورة في استحضار ميراث القبيلة وأمجادها، بل تعدت ذلك لتناقش دور القبيلة في الإصلاح السياسي، وهذا ما يفسر تحولات توجه بعض نواب القبائل السياسية (الانتقال من المولاة إلى المعارضة) منذ عام ١٩٩٦. ولكن مؤخراً صار تطور القبائل السابق معيقاً لها بنفس الوقت، ويقف خلف ذلك قوة لا يملكها هذا المكون تتدخل فيها طبيعة الدولة الريعية، وهي القوة الفاصلة في مواضيع الصراع السياسي.

مبارك الجري