آراؤهم

“الثورة السلمية” في التاريخ : حقيقة أم وهم؟

لا يختلف اثنان أن التغيير في الأحوال والظروف سُنّة كونية لا ينفك عنها مخلوق ، فالتغيير حاصل في المناصب والأحوال والأجسام و الأفكار و الرؤى والتصورات وغيرها.
والدول يعتريها ما يعتري الإنسان من تبدل للأحوال و تغيرات طارئة في الظروف، فكما يمرض الإنسان أو يموت، فإن الدولة كذلك تمرض وتموت ولها دلالات وعلامات على مرضية الدولة و موتها.
فالدولة التي تضعف أجهزتها الأمنية أو تتخبط خططها أو تضمحل وتنضب مواردها المالية أو يتسيد عليها غير المؤهلين لادارتها فإن ذلك مورد لهلاكها وسقوطها لا محالة وإن طال زمان الاحتضار ، فتكون في نهايتها مدافعة وحملات عليها من الخارج والداخل ، أما الخارج فعدو يتربص بها كدولة أخرى تنتظر أن تكون لقمتها جاهزة ، والداخل هم أفراد ومواطنين قد يكونون ممن تألموا من وطئة الفساد في الدولة فثاروا عليها و إمّا أنهم أصحاب أهواء لا ينضبط حالهم بوجود دولة ذات ادارة متسامحة معهم فيثيروا الشغب والفوضى لإسقاطها.
أياً يكن من ذلك ، فالناظر للتاريخ والى كيفية سقوط الدول يجد أن الانظمة لم تسقط صراحة بثورة شعبية “هادئة ، سلمية ” أبداً ، إنما تسقط بثورة مسلحة لا تُبقي ولا تذر لوّاحة للبشر نذيرة بالخراب وان اقتلعت الفساد من جذوره فتلك ضريبة التغيير، مكلفة ، مرهقة ، مُزهقة للنفوس شئنا أم أبينا.
وانظروا الى التاريخ ، سقط الامويون أمام العباسيين بالثورة المسلحة ، سقوط العباسيين في بغداد على يد التتار ، سقوط المماليك على الاتراك ، سقوط ملوك الطوائف على يد المرابطين ، سقوط الفاطميين على يد الايوبيين ، وغير ذلك كثير من الامثلة عبر التاريخ التي تؤكد حتمية التغيير بالقوة المسلحة ولا مكان في ذلك الميدان لثورة السِّلم و الغصون. فالذي يُنادي بتغيير الأنظمة نقول له أنت أمام حقيقتين كلاهما ذات طعم مُرّ . إمّا ثورة سلمية فتلك أكذوبة كشفتها ثورات الربيع العربي الذي تصادمت بثورات مضادة سحقت كل مناد للعدل والعدالة بالأمس القريب، و إمّا ثورة مسلحة لا نعلم ما نجنيه منها بعد القيام بها ؟ هل ننجح ؟ هل نفشل ؟ وما هي التكاليف البشرية والمالية والاجتماعية لتلك الثورة المسلحة ؟ أظن والله أعلم أن أمور السُلط وتغييرها لا تتم دون النظر العميق الى عواقب كل فعلة ومدى جاهزية الشعوب لدفع التكلفة من ذلك ، والعاقل هو من عرف متى يُحجم ومتى يُقدم ، والجماهير كالسُلط لها مالها من غياب العقل احيانا و صعوبة ادارتها وصعوبة فهم ما ستقوم به لاحقاً من أفعال . إلاّ أننا كمسلمين يجب أن لا نغفل عن اللجوء لصاحب الأمر من قبل ومن بعد والذي يكون أمره كائناً شاء من شاء وأبى من أبى وأن ندعوه لدفع ضرر السُلط أو استجلاب مصلحة المسلمين و أن نجتهد في النصح والاصلاح على حسب القدرة ، فيجلب الله لنا ثورة يسوقها لنا لا نعلم كُنهها وظروفها إلاّ أنها ستورد الخير و إن جهلها من جهلها .

جاسم الجزاع

باحث دكتوراة في إدارة الأعمال

@jassimaljezza84