آراؤهم

المأمون العباسي وعلماء التطبيل

يُروى في التاريخ أن المأمون العباسي سأل أحد العلماء عن مذهب المرجئة ( وهو مذهب قائم على فكرة أن المعاصي لا تضر مسمى الإيمان و بعض غلاتهم يرى مثلاً ابليس مؤمناً كامل الايمان ! ) سأله المأمون : ما الإرجاء ؟ فنظر إليه الوزير فقال : ” هو دينٌ ، يوافق هوى الملوك ” .

لا تخلو أمة من الأمم من وجود فئة من المشتغلين بالدين همّهم الأكبر ليس إحقاق الحق وتحكيم الرب المقدس إنما همّهم إرضاء السلطة بكل ما تريده ولو كان على حساب الدين نفسه ومنطلقاته ، فنرى مثلاً أن فقهاء اليهود في عهد النبي عيسى قد أفتوا للملك في ذلك الزمان البعيد أن عيسى يسعى لقلب نظام الحكم وأن تكون الرياسة في فلسطين بيده ، فقام الملك بإصدار أمر القبض على النبي عيسى ورفاقه .
والتاريخ حافل بالنماذج من هؤلاء العلماء السيئين الذين يُطوّعون الدين لخدمة أهواء السلطة طمعاً في مغنم من السلطة .
نستذكر من ذلك كيف قام مجموعة العلماء المحيطين بالمأمون بإصدار فتوى تجيز سفك دماء وتكفير إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وتهمته هي ( الإرهاب الفكري ) وأن كان له رأي لا يوافق رأي السلطة !
و كذلك شيخ الاسلام ابن تيمية ، كتب فيه علماء مصر والشام فتوى تجيز قتله فقط لمجرد للخلاف الفكري معهم و كان يقول لهم ناظروني فلا يفعلوا لضعف حجتهم و منطلقاتهم .
هؤلاء العلماء في تطبيلهم للسلطة ومحاولة ارضاءهم هم أشد خطراً على كينونة الدين وحياة المسلمين ، فيجعلون ما يريده الحاكم شرعاً مُباحاً ولو حرمته الشريعة ثم يُخرجون بكل صفاقة ووقاحة ما يبرر لهم ذلك من ضرورة السمع والطاعة للولاة ، و فهمهم القاصر أدخلهم إلى عبادة السلاطين وجعلوا تشريعهم وطرائق سياستهم مساوياً لتشريع الرب المقدس .
التعامل مع السلطة في الاسلام يجب أن يكون تابعاً للمنظومة الشرعية في الرقابة على أفعال السلاطين ، فالملوك والسلاطين ليسوا إلاّ عُمالاً وُضعوا لتسيير أمور الدولة و خدمة الأمة وحماية بيضة الاسلام ، فلا يكون نهجهم مُخالفاً للعدل الالهي الذي بينه الله عز وجل في قرآنه والنبي صلى الله عليه وسلّم في أحاديثه وأقواله ، بل يُقوّم السلطان بالطريقة التي يراها الفقهاء مُجدية و تؤدي الى التغيير الإيجابي ، بأقلّ الخسائر وأعظم الفوائد ، و تُراقب سياسته و يُناصح نصيحة لله و تذكيره بالوعيد في الآخرة و أن هذه المناصب التي تُغري السلطان هي إلى زوال ، فلو دامت لغيرهم لم تصل إليهم .

جاسم الجزاع
باحث في الفكر الاداري
@jassimaljezza84