كتاب سبر

نماذج مضيئة من تاريخ القضاء الكويتي

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سميعاً بَصِيرًا}

وللرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة حول العدالة والظلم منها، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلك: (من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة، ومن غلب جوره عدله فله النار). صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
العدالة وما أدراك ما العدالة، إنها من أهم قواعد بناء الدولة واستقرارها حيث يدخل ضمن هذه القيمة العظيمة الكثير من القيم والحقوق منها العدالة في توزيع الثروة، والعدالة في الحكم والأحكام تكافؤ للفرص، وإذا أصيبت العدالة بالخلل والضعف انتشر الظلم والفساد ويا ويل الأمة التي يسود فيها الظلم، ويتسيد الظالم فالحياة لا تستقيم إلا بالإيمان والعدالة، والمعروف أن القضاء هو الحارس الأمين على تطبيق العدالة ومعاقبة الظالم وإنصاف المظلوم، ولخطورة هذه المهمة نجد في التاريخ من رفضها أو وضع بعض الشروط قبل الموافقة على تولي مهنة القاضي وفي تاريخ الكويت توجد بعض النماذج المضيئة الصادقة التي سطر اسمها التاريخ بأحرف من نور، من تلك النماذج المرحوم الشيخ / علي الشارخ الذي تولى القضاء خلال السنوات (١٢٢٥-١٢٢٨) بعد أن قال للمرحوم الشيخ / عبدالله الصباح (الأول) عندما طلب منه تولي مهنة القضاء “إنه منصب خطير من أهم شروطه إقامة الحدود وأخشى أن تغل يدي على تنفيذها سيما على الوجهاء، فأجابه المرحوم الشيخ/ عبدالله بما يلي: “إني سأطلق يدك في القيام بالواجب ولو على نفسي”، يا لها من كلمات رائعة من الطرفين.
عندئذ قبل المرحوم الشيخ / علي الشارخ المهمة “عبدالعزيز رشيد تاريخ الكويت” لقد كان الشيخ علي يدرك أنه لا يجوز للقاضي أن يجور في أحكامه، ولا أن تملى عليه الأحكام ولا يفرق بين الغني والفقير وصاحب النفوذ والضعيف.
أما النموذج الثاني فهو المرحوم الشيخ العالم الفقيه عبدالله خلف الدحيان، الذي رفض هذه الوظيفة ثم قبلها أمام الحاج المرحوم الشيخ / أحمد الجابر حاكم البلاد (١٩٢١-١٩٥٠) ولكن الشيخ عبدالله اشترط أن يكون نائبا وليس أصيلاً إلى أن يتم اختيار قاضي آخر وكان ذلك في عام ١٩٣٠ وعمل واستمر لمدة سنة ولم يكن يأخذ أجراً على عمله ثم توفي يرحمه الله عام ١٩٣١.
أما النموذج الثالث فهو الشيخ الفقيه المرحوم يوسف بن عيسى القناعي الذي هو الآخر رفض تولي هذه حيث عرضها عليه المرحوم الشيخ / أحمد الجابر ثم اضطر إلى قبولها استجابة لطلبه ولكنه اشترط أن يتولاها لفترة مؤقتة إلا أنه استمر في سلك القضاء منذ ١٩٣١ إلى ١٩٧٢ .
وكان المميز الوحيد للأحكام ولم يكن يأخذ أجرا على عمله بل كان يرفض استخدام سيارة الحكومة. إنها نماذج مضيئة من تاريخ القضاء الكويتي.
نتمنى ونرجو أن تتكرر تلك النماذج في تاريخنا المعاصر.

بقلم : الأستاذة الدكتورة نجاة عبدالقادر الجاسم