كتاب سبر

الهوية الوطنية والبدون

أعلم أن العزف على وتر المحافظة على الهوية الكويتية يدغدغ مشاعر البعض، خصوصا من نصبوا أنفسهم أوصياء على ” أهل الكويت ” دون أن يفوضهم أحدا من أبناء الشعب الكويتي. ولست أستغرب هذا المتقرح مما يسمى مجموعة الثمانين التي احتكرت لنفسها راية الوطنية وصارت تخشى على الكويتيين أكثر من أنفسهم. لكن أن ينساق رئيس السلطة التشريعية لهذا النفس العنصري ، بل و يتبناه بشكل رسمي بمشروع قانون يقدم لمجلس الأمة فتلك مصيبة.
هذا السلوك السياسي أشبه بما يفعله اليمين المتطرف في أوروبا و الولايات المتحدة ضد المهاجرين الجدد، حيث لا يرتفع ذلك الخطاب إلا في لحظات الإفلاس السياسي عندما يعجز السياسيون عن حل مشاكل المجتمع، فيرتفع صوت اليمين المتطرف ليلقي بمشاكل البلاد علِى المهاجرين. و اليوم وللأسف يجد هذا الخطاب صداه لدى النخبة السياسية العنصرية التي فشلت فشلا ذريعا ليس التصدي لمشاكل الصحة و التعليم و التنمية، بل حتى الطرق و الأمطار و مشاكل الخدم.
لكن إذا كانت أوروبا تخشى على هويتها الوطنية من المهاجرين المسلمين الذين يختلفون عنهم في الدين و التاريخ و اللغة و العادات، فما الذي نخشاه نحن من البدون؟ أليس ثلث هؤلاء مستحقين للجنسية الكويتية حسب تصريحات سابقة لرئيس جهاز التضييق على البدون؟ وماذا عن باقي الثلثين الذين لو سلمنا جدلا بعدم أحقيته للجنسية لكننا لا نستطيع اخراجهم من الهوية التي يشاركوننا فيها؟
إذا كانت مكونات الهوية الكويتية هي الإسلام واللغة العربية والانتماء لهذه الأرض والتمسك بالعادات و التقاليد و الانتساب للقبائل العربية، فكيف سيهدد البدون هويتنا الوطنية اذا كانوا هم جزءا لا يتجزأ من نفس النسيج الاجتماعي الذي يجمعنا كشعب كويتي؟
لقد وصل حال البدون لمرحلة متقدمة من الظلم واليأس بحيث أصبح باطن الأرض خيارهم المفضل على ظاهرها، بسبب قلة عنصرية تسلطت على رقابهم تسوؤهم سوء العذاب تحت سمع و بصر الجميع. ثم هل يقبل المنطق السليم أن نعتبر البدون خطرا على هويتنا الكويتية ولا نعتبر من يشاركوننا هذه الأرض الطيبة من أتباع الديانات والملل الأخرى خطرا على هويتنا رغم اختلافهم معنا في كل شيء تقريبا (الدين و التقاليد و اللغة و التاريخ )؟
ولكي لا أترك مجالا لمن يصطاد بالماء العكر، فأنا لست ضد أي انسان يعيش على هذه الأرض بهدف البحث عن مصدر للرزق ويساهم في خدمة و نهضة هذه البلد، بغض النظر عن ثقافته، اذا كان يحترم القانون و الثوابت التي يقوم عليها هذا المجتمع.
اذا كانت كويت الانسانية التي اتسعت لملايين الأجانب ، وغطت خيراتها ملايين البشر في الشرق و الغرب قد ضاقت ذرعا ببضعة آلاف انسان يربطهم معنا حب هذه الأرض ، علاوة على الدين و اللغة و العادات العربية الأصيلة ، فقل على الانسانية السلام.