كتاب سبر

شروق أمين.. وداوود.. وإسرائيل

أتصور، أو أنا متأكد، بأن كتابة مقالة ناقدة وعنيفة حول إسرائيل، ولو امتلأت بالطعن والإهانة والسب ضد القادة الإسرائيليين، هي الوحيدة التي لن تجلب صاحبها إلى السجن عندنا في الكويت. لكنها ستكشف الوجه المزدوج لمسألة حرية النشر والتعبير، وستعرّي التناقض المقيت الذي يعاني منه الكثيرون، والذي يخضع لأهواء المواقف السياسية ولاستغلال العواطف الشعبوية.

ماذا كان سيحصل لو أن عنوان معرض رسومات الفنانة شروق أمين هو “السجون الإسرائيلية ومعاناة المرأة الفلسطينية”، وجاء في بعض رسوماتها ايحاءات جنسية تشير إلى ممارسات الجنود الإسرائيليين تجاه السجينات الفلسطينيات؟ هل كان المعرض سيُمنع؟ هل كانت الفنانة ستُتّهم بعدم مراعاة ثوابت المجتمع وأخلاقياته وذوقه وأدبه؟

هل تتذكرون حلقات البرنامج الساخر للفنان داوود حسين قبل سنوات في شهر رمضان، والذي مثّل خلاله دور رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، واحتوائها على مشاهد مليئة بالسب الواضح والصريح ضد شارون؟ وكيف أن الرقابة سمحت بذلك، وأن الذوق العام الكويتي رحّب بالحلقات ولم يعترض على السب أو يعتبره منافيا للذوق والأدب والأخلاق؟

كيف نعتبر رسومات الفنانة شروق أمين منافية للأخلاق والآداب العامة، رغم أنها تعرّي بجرأة رمزية الإزدواجية الموجودة في أخلاقنا، بينما لا نعير أي اهتمام بالأخلاق والآداب العامة حينما يرتبط الموضوع المطروح أمام الرأي العام بسياسات الدولة الإسرائيلية وبسلوك قادتها، فنقبل بتداول مختلف أنواع السباب والكلام البذئ دون أن يتحرك فينا الضمير الأخلاقي؟ بينما “نفتتن” لمجرد أن رسما رمزيا يشير إلى ساق إمرأة أو إلى قُبلة، في حين هو ليس إلا نقدا جريئا لذاتنا النرجسية؟

في النص الديني، هناك دعوة للعن وسب الظالم، وهناك دعوة أخرى لعدم سب الذين يدعون من دون الله لأنهم سيسبون الله “عَدْوًا بغير علم”. فسب آلهة المشركين جائز إذا لم يؤد إلى سب الله. أي أن السب في ذاته “مسموح” إذا كان فيه “مصلحة”، حسب ابن كثير. في مقابل ذلك، نحن نحتاج إلى التصالح مع مفاهيم الحياة الحديثة وآلياتها في التعامل مع الأحداث والمسائل، أكثر من رجوعنا إلى مفاهيم الحياة القديمة ونصوصها وآلياتها، وذلك لكي نقلل من الوقوع في التناقصات القيمية ونبتعد قدر الإمكان عن الإزدواجية الأخلاقية.

ويبدو أن رسومات شروق، تعكس صراعا في المجتمع بين أنصار المفاهيم القديمة وأنصار المفاهيم الجديدة، أكثر من أن تكون مثيرة للفتن ومعارضة للذوق العام. فالرسومات، كما صرحت شروق مؤخرا، رمزية تعبّر عن الأفكار السيئة التي تغوص في عقول المجتمع، كالكذب والنفاق والصفات الذميمة، مضيفة: “نحن نعيش اليوم في عصر الإنترنت الذي تستطيع أن تجوب به العالم وتحصل على جميع الصور من دون معاناة، وأؤكد أنني لن أتوقف عن إقامة المعارض، وإن منعت في الكويت سأقيمها في الخارج”.

بعبارة أخرى، نحن نعيش اليوم “ﺗﻀﺎﺩّﺍ” ﻣﻌﺮﻓﻴﺎ. نميل ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺘﻴﻦ ﺛﻘﺎﻓﻴﺘﻴﻦ. نزعم ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ الحقوﻕ والحريات الحديثة، بينما هو ﺯﻋﻢ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭ ﻭﺗﻨﺘﻔﻲ ﻣﻨﻪ الكثير من ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ. فأكثر ﺳﻠﻮكنا يشير ﺇﻟﻰ ﺍرتباطنا بعادات وتقاليد قديمة وتكاليف دينية ﻻ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺼﻠﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ أﻭ ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ والحريات. فأﺯﻣﺔ ﻗﺒﻮﻝ ﺍﻵﺧﺮ نعيشها بيننا ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻧﻌﻴﺸﻬﺎ ﻣﻊ ﻏﻴﺮﻧﺎ، ﻧﻤﺎﺭﺱ ﺍﻹﻗﺼﺎﺀ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﺑﻜﻞ ﺃﺭﻳﺤﻴﺔ ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻱ ﻗﻠﻖ، ﻭهو ما ﻳﻌﻜﺲ ﺗﺄﺻّﻞ ﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻷﺧﺮ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.

فاخر السلطان