كتاب سبر

نحن الذين نعتذر

ما أصعبها من لحظات أن تكون عالقا في بلد غير بلدك ، لا تعرف هل ستعود و متى سوف تعود. و يتضاعف ذلك الشعور بالقلق الممزوج بالحنين للوطن وقت انتشار الوباء، خصوصا اذا علمت أنك معرض للإصابة في أي لحظة. هذا ما شعرت به و شعر به كل كويتي اضطرته الظروف للبقاء في بلد غير بلده، اثر القرار المفاجئ بإغلاق الحدود،
لكن ما أن عدنا إلى أرض الوطن بسلام، حتى تلاشت مشاعر القلق على الذات، وبدأت مشاعر الخوف على الغير. خصوصا اذا كان ذلك الغير ثلة من الوطنيين الأحرار الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن الكويت و أهلها، وجعلوا من أنفسهم خط الدفاع الأول في وجه لوبي الفساد الذي استولى على مقدرات البلاد و أحدث فيها الخراب الذي كشفت جائحة كورونا شيئا من تفاصيله.
و لأن تلك القضية سكنت قلوب الكويتيين ، فقد ازدحمت الساحة السياسية – على مدار الأسابيع الماضية – بالكثير من المناشدات والبيانات التي طالبت بالعفو عن المحكومين في القضايا السياسية، وهو عفو مستحق لكن تزامنه مع انتشار وباء كورونا – الذي لم يستثنِ أحدا – جعله أكثر استحقاقا من ذي قبل.
و بالرغم من ذلك فإنه من المفارقة أنه كلما علت أصوات الخيرين بطلب العفو وطي صفحة الماضي، خرجت علينا بعض الأصوات النشاز الرافضة لمبدأ العفو دون اعتذار. ورغم أن هذه الأصوات لا تعبر عن ضمير المجتمع الكويتي الطيب المحب للخير ، ولا تملك العفو عن المحكومين، و ليست ناطقة بلسان الديوان الاميري ، إلا أنها تتحدث وكأنها هي من يملك حق العفو أو رفضه.
والسؤال الذي مازال يبحث عن إجابة: إذا كان العفو مشروطا بالاعتذار ، فلمن يعتذر المحكومون ؟ و على ماذا ؟

أنا على ثقة – بحكم قربي من القضية – أن أغلب أهل الكويت لا يعلمون الكثير عن تفاصيل قضية دخول المجلس بسبب الدعاية المضللة للسلطة التي نجحت في إيهام الناس أن جرمهم الكبير هو “اقتحام” مجلس الأمة، فاذا بها تنتهي بالحكم عليهم بالاعتداء على رجل أمن مجهول الهوية !
هل يعلم أهل الكويت أن المهجرين في تركيا محكومون بالسجن ثلاث سنوات ونصف بسبب اعتدائهم المزعوم على رجل أمن لا يعرفهم ولا يعرفونه، و لم يشتك على أي من المدانين بتلك الاحكام ؟
اذن ما هو مبرر اشتراط الاعتذار للعفو عن تلك الأحكام السياسية اذا كان القضاء لم يدنهم في “اقتحام” مجلس الأمة ؟ و أين هو ذلك الشرطي المجهول الذي سيقدمون له الاعتذار ؟
لكن يبقى السؤال الأهم، من هي الاطراف المستفيدة من إطالة أمد هذه القضية رغم ظروف هذا الوباء العالمي؟
الإجابة على هذا السؤال تتلخص في أن بطانة السوء التي ترى نفسها متضررة من ذلك العفو هي التي عرقلت و مازالت تعرقل أي مسعى حميد للعفو، فهي قد ربطت بقاءها السياسي بمسألة العفو عن أولئك الرجال رغم أن هذا الأمر يرفع من شأن صاحبه عند الله وعند الناس الا من كان في قلبه مرض.
باختصار فإن قوى الفساد التي وقف النواب والشباب الشرفاء في وجهها لسنوات طويلة – والتي كشفت جائحة كورونا حجم فسادها العظيم في البلاد – هي من تقف حائط صد ضد مساعي كل الخيرين للعفو عن هؤلاء الأبطال.

لذلك فإنني أوجه كلامي لإخواني الذين ضحوا بمستقبلهم و أهليهم وحرياتهم ، اصبروا و صابروا فإنكم على الحق، بل إنني أقول إن كان هناك بد من الاعتذار، نحن من يجب عليه أن يعتذر لكم. نعم، نحن من يعتذر لكم أيها الأبطال لأننا عدنا إلى الوطن وتركناكم خلف ظهورنا فريسة للوباء. نحن الذين نعتذر لأننا كنا نستجدي العفو لكم رغم علمنا أنكم على الحق، و أنكم وطنيون لا خونة، مخلصون لا مفسدون أبطالا لا مجرمون .
نعتذر لكم عن خوفنا على أرزاقنا التي أنسانا الشيطان أنها من عند الله لا من عند البشر. نعتذر من حرصنا على مصالحنا الضيقة التي قدمناها على مصلحة الوطن، نعتذر من نفاقنا الاجتماعي الذي جعلنا نفتح مجالسنا للفاسدين من أشباه الرجال الذين أجرموا بحق هذا الوطن، علّهم يمنون علينا بوظيفة تافهة أو يتصدقون علينا من أموالنا المخزونة في جيوبهم لنعالج أسقام أجسادنا، حتى لو بقيت نفوسنا عليلة. نعتذر لكم أيها الابطال بسبب خذلاننا لكم ونحن نعلم يقينا أنكم من خير من أنجبت الكويت.

د.أحمد الذايدي