آراؤهم

إسرائيل..المدللة دولياً.. لماذا يهمها التطبيع؟

السؤال الوارد في العنوان محيّر لكثير من العرب خصوصاً الجيل الحالي الذي رأى وسمع نفوذ إسرائيل في المجتمع الدولي وكيف يحج لها قادة كبرى الدول لكسب رضاها. كما يتورع هؤلاء القادة عن ذكر إسرائيل بسوء وإن وضعوا تحت الضغط السياسي نظراً للجرائم والمجازر تجدهم ينتقدونها بلطف بأصوات مرتجفة مع الحرص على ذكر سياق المعركة وأطرافها الذين أشعلوا فتيل الحرب!
أذن ما أهمية التطبيع؟ الجواب له جوانب عدة أهمها برأيي هو الحصول على اعتراف دول المنطقة التي تسكنها دولة الاحتلال، و”الاعتراف” بالمعنى الدولي له أهمية كبرى. فالدول كما يعلم الكثير تتكون من بقعة أرض يسكنها شعب وفيه حكومة ولكن لا قيمة لكل ما سبق إن لم تكن الدولة معترف بها ككيان شرعي له السيادة على البقعة الجغرافية تلك. فما تسعى له إسرائيل ليس التطبيع normalization بل الاعتراف recognition.
فقد تفقد الدولة وجودها إن لم يكن معترف بها وإن استجمعت كافة العناصر الأخرى، فنجد على سبيل المثال دولة شمال قبرص لديها حكومة وشعب وتحتل الجزء الشمالي من جغرافيا الجزيرة إلا أنها فاقدة للاعتراف الدولي وليس لديها سفارات في دول العالم فهل ينطبق عليها وصف الدولة؟ بالطبع لا لأنها فاقدة للاعتراف.
العصابات الصهيونية لم تحظ باعتراف دولي سوى بقرار الأمم المتحدة المعروف بقرار التقسيم عام ١٩٤٧ في اجتماع قاطعه العرب وشنوا على إثره هجوم عسكري على القرى الصهيونية.
ومنذ عام ١٩٤٧ لم يعترف العرب بإسرائيل كدولة وحاربوها أكثر من مرة حتى زيارة السادات المشؤومة للقدس عام ١٩٧٧ والتي أتبعت بمعاهدة السلام في كامب ديفيد. والانتصار الحقيقي الذي حصلت إليه إسرائيل من معاهدة مصر ليس تحييد دولة معادية عسكرياً فقط وإنما الاعتراف المصري بحقها في الأراضي المحتلة الأمر الذي يمنحها الشرعية الدولية ويعزز أساس المشروع الصهيوني وهو استيطان أراضي العرب من النيل للفرات. وجدير بالتذكير أن كامب ديفيد لم تُرجع القدس ولا الضفة ولا الجولان ولا حتى غزة التي كانت تحت السيادة المصرية! بل منحت مصر صحراء سيناء وبشروط مجحفة للجانب المصري.
اليوم، سلام الامارات مشابه لسلام السادات فهو يأتي في أوج الاعتداءات الإسرائيلية، حيث أنها-الآن- تسعى لضم الضفة الغربية وقد نقلت سفارات دول عدة من بينها أمريكا للقدس والتي هي محور الصراع في كافة المفاوضات بين العرب والصهاينة على مدى تاريخ الاحتلال، الأمر الذي يدعو للاستغراب وكأن طرفي المعاهدة فقدوا الذاكرة القريبة والبعيدة!
إسرائيل يهمها أن لا تبقى ذلك الكيان المنبوذ في الشرق فهذا يضعف من شرعيتها ويضرها ويجعل كيانها دائم التهديد فلو تبدلت الأنظمة بين ليلة وضحاها (وهذا ما شهدناه عام ٢٠١١) ستكون أي حكومة في سعة في اتخاذ أي خطوة عدائية تجاه إسرائيل لعدم وجود اعتراف ولا مصالح تجارية متشابكة التحلل منها سيكون له ثمن باهظ. بينما لو تقاطعت المصالح واختلطت الأموال وبين الدولتين معاهدة سلام مقيدة لأي عمل عدائي-محتمل- لن تستطيع أي حكومة بصرف النظر عن هواها السياسي أو غيرتها تجاه القضية الفلسطينية أن تفعل أي شيء ذو أثر ضار على إسرائيل.
نعم إسرائيل يهمها جداً أن تحظى بمعاهدات ترسخ فيها مشروعها الاستيطاني على المدى البعيد والقريب ويهمها أن تكبل شعوب المنطقة وقادتها الحاليين والمستقبليين من أي عمل عدائي تجاهها لكي تضمن بقاءها بل وتمددها في أراضي العرب.
فبدل أن نشاهد مواجهة دبلوماسية عربية تضاهي عربدة إسرائيل وخرقها للحدود الجغرافية والإنسانية نجد معاهدات الاستسلام تنهال عليها معلنة الرضا الضمني على الاحتلال والقتل والتوسع الاستيطاني المخالف لكل القوانين والأعراف الدولية والمنتقد من معظم الدول.
لو كانت إسرائيل في أي بقعة في هذا الكوكب وتمارس سلوكها الحالي لاستفزت جيرانها ولما سمح لها ولكفوا يدها ولو بالحرب. فهل من الممكن أن نتخيل أن دولة أوربية تمدد حدودها كل عام؟ هل نرى هذا المشهد في أفريقيا؟ أو أمريكا الجنوبية؟ لا يمكن أن يتقبل هذا السلوك إلا في محيط هش يهرول قادته لاتفاقيات تسلبهم كل شيء مقابل لا شيء ولنا في كامب ديفيد وأوسلو ومدريد عبرة!

عمر العبدالجادر