آراؤهم

جدليّة العلنيّة وفرضية الإمتناع

يقول المولى عز وجل (ولا تنازعوا فتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين)

تذهب الآية السابقة لحقيقة امرين مهمين الا وهما (ان النزاع يشتت الهمم ويقوِّضُ الاهداف) و (ان الصبر مفتاحٌ للفرج ولا وصول للاهداف بلا مشقّة وصبر وعناء).
وللاسف الشديد ان مجتمعنا يفتقر لهاتين الصفتين فالتاريخ يشهد بأن السلطة قد استغلّت ضعف الاجتماع النيابي الممثل للأمة على مواضيع محددة بالاضافة لاستغلال ضعف الصبر لدى المجتمع في أي معارك سياسية تحتاج الى نفسٍ طويل من قبل المجتمع واستيعابه بأن الوصول الى الأهداف السامية تستحق المزيد من الصبر والتضحيات وهو ما لا يتوفّر في مجتمعنا ذا الذاكرة الأنملية الصغيرة فجميع المعارك السياسية الشعبوية كانت تنتهي بأمرين (تغذية الاختلافات الانتمائية والفكرية والسياسية بين اطراف المجتمع) و (مد طول المعركة السياسية والتعويل على نسيان ذاكرة المجتمع القصيرة) وهو ماتعيه السلطة جيداً وتمتاز فيه.

وكما استبشرنا خيراً بمخرجات انتخابات ديسمبر ٢٠٢٠ الا اننا نستذكر بأن انتخابات فبراير ٢٠١٢ المبطل الأول كذلك أتت بنتائج أغلبية برلمانية كبيرة نتج عنها تتويج السيد أحمد السعدون رئيساً مع التمكن من جميع لجان ومكتب المجلس الا أن النتيجة كانت حل البرلمان وتغيير نظام الانتخاب بالكامل بمرسوم ضرورة مبيّناً الأسباب الداعية لذلك ، وعليه يجب تحديد أولويات هذه المرحلة وهو ما لامسته من أغلب تصاريح السادة النواب الاعضاء الجدد بتحديد موضوع اختيار رئيس المجلس كأولوية مستحقة في سلم أولويات هذا المجلس وهو ما يعطينا انطباعاً مريحاً على استيعاب المخرجات الشعبية للفترة السابقة الممتدة لأربع سنوات وعلى الرغم من انها اتممت فصلها التشريعي كاملاً متوّجاً بعدة قوانين كانت غائبة عن الوعي الشعبي تماماً.

وعليه فإن موضوع اختيار الرئيس يخضع لأمرين:
اولاً: جدليّة علنية انتخاب الرئيس
ثانياً: فرضية امتناع تصويت الحكومة

فاذا ناقشنا (أولاً) جانب جدلية علنيّة انتخاب الرئيس فاننا سنستخلص بعض النقاط المهمة:
أ- جرت العادة على انتخاب الرئيس انتخاباً سرّياً وهو ما أنتج عُرفاً سارت عليه المجالس السابقة.

ب- لم تنص المادة ٩٢ من الدستور الخاصة بانتخاب الرئيس على ان الانتخاب يكون سرياً وهو ما يتطابق مع نص المادة ٢٨ من اللائحة الداخلية تطابقاً تامّاً ، بل سكت المشرع عن تبيان طريقة الانتخاب في هاتين المادتين من الدستور واللائحة الداخلية تاركاً الحكم للمجلس ذاته وهو عكس ما نصت عليه المادة ٣٥ صراحةً بجعل التصويت لمكاتب المجلس بطريقة الاقتراع السري وهو ما لم يفت على المشرع لتبيان هذا الإختلاف في طريقتيّ الإقتراع.

ج- راعى المشرع في المذكرة التفسيرية للدستور الروح الدستورية في مجمل مواده مبيّناً وبانياً لأسس واضحة وصريحة كان أهم هذه الأسس وضع المجلس كسلطة تشريعية مفوضة من الشعب لممارسة السلطات في إطار القانون وحمى كينونة المجلس بعدة مواد تمنع تقويض قوة المجلس من قبل السلطة التنفيذية وعليه فإن المشرع لم يتطرق لطريقة انتخاب الرئيس بالرغم من انه تطرق لطريقة انتخاب أعضاء مكتب المجلس !!

د- على النقيض تماماً يجب الاخذ بالاعتبار ان تصويت المجلس للرئيس يجب ان يكون علنياً اذا ما اعتبرنا تصويت الاعضاء المنتخبين للرئيس أحد الأسباب التي يقيم بها الناخب أداء العضو المنتخب كون اختيار رئيس المجلس أهم الأمور التي ترسم بها طريق أداء المجلس للفصل التشريعي كاملاً ولا يتم تغيير رئيس المجلس خلال الفصل التشريعي الواحد!
على عكس انتخابات لجان المجلس والتي نص عليها المشرع أن تكون بطريق الاقتراع السري حيث ان لجان المجلس واجتماعاته لا يحضرها الناخب ويتعذر على الناخبين الاطلاع الكامل على حيثيات لجان ومكاتب المجلس وبالتالي لا يمكن تقييم أداء السادة الاعضاء الا من خلال المعلومات المتاحة كالتصويتات على القوانين وتقارير اللجان ، وعليه فإن المشرع نظر الى الجانب الاخر من كون لجان المجلس هي المطبخ الفنّي ويجب ان تسود اللجان روح الفريق وان يكون التعاون هو الركيزة الاساسية لهذه اللجان والا تعذر معها القيام بالدور المنشود وبالتالي فإن أسلم طريقة للنأي بهذه الصدامات الجانبية المستقبلية بين الاعضاء هو طريقة الاقتراع السري لمكتب المجلس.

(ثانياً) فرضية انسحاب او امتناع الحكومة من التصويت على انتخاب رئيس مجلس الأمة:

أ- حدد المشرع في المادة ٥٦ سقفاً أعلى لعدد أعضاء الحكومة بثلث أعضاء المجلس وبهذا التحديد لا يكون هناك خوف من اغراق مجلس الامة (وعدد أعضائه اصلاً خمسون عضواً) بأعضاء غير محددي لعدد من الوزراء المعينين من خارج المجلس مما يخشى معه المساس بشعبية المجلس النيابي او بأهمية قراراته ، وذلك حرصاً على الروح الدستورية واعطاء المجلس قليلاً من السلطة في حالة وجود الاغلبية والتي يجب على الحكومة الأخذ بها بعين الاعتبار إذا ما أرادت السير في الاتجاه الشعبي المطلوب وهو ما نلتمسه من المشرع في المذكرة التفسيرية عندما تم تبيان قدر الدستور وضرورة الحذر من المبالغة في ضمانات السلطة التنفيذية وذلك مخافة ان تطغى هذه الضمانات على شعبية الحكم ، وهو ما سارت عليه المجالس السابقة بحرص السلطة التنفيذية على توجيه الأصوات الحكومية لمرشح رئاسة واحد ضماناً لاستقرار الحكومة وان كانت عكس توجهات وتطلعات وآمال المجلس!!

٢- قامت الحكومة في الفصل التشريعي الثاني عام ١٩٦٧ بالامتناع عن التصويت في انتخاب رئيس مجلس الأمة في عهد رئاسة الشيخ جابر الاحمد -طيب الله ثراه- للحكومة وتركت الأمر للمجلس المنتخب على الرغم من اعتراض بعض السادة الأعضاء على ذلك كونه حق دستوري للحكومة بالاضافة لكون أحد المرشحين (المرحوم يوسف السيد هاشم الرفاعي) عضواً في الحكومة فلم يمنع التضامن الحكومي رئيس الوزراء الشيخ جابر الاحمد طيب الله ثراه من اتخاذ القرار المناسب بنأي الوزارة عن الإشكالات الشعبية التي قد تنتج من التدخل في الرغبة الشعبية ، وعليه فلا يوجد هناك سابقة تامةً في هذا الجانب ونطلب من رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد بنأي الحكومة عن هذا الجانب والامتناع عن التصويت في انتخابات الرئاسة وكسب التأييد الشعبي وإبداء حسن النوايا خصوصاً مع بوادر تأزيم تلوح بالافق.


د.علي قطيم المطيري