كتاب سبر

خطاب الانتصار للأمة

أقل ما يمكن أن يوصف به الخطاب الأميري (الذي ألقاه سمو ولي العهد نيابة عن سمو الأمير) بأنه خطاب تاريخي يرسم ملامح العهد الجديد الذي طوى صفحة كالحة السواد من تاريخ الكويت السياسي ، حيث كان فيها الشعب مسلوب الإرادة، و كانت السلطة تتحكم بالمؤسسة التشريعية التي هي بيت الشعب الذي يأوي إليه ويدافع عن حقوقه.

لقد أوغلت السلطة حينها في الاعتداء على المكتسبات الشعبية و تسببت في ابطال و حل عدد من المجالس المنتخبة – في زمن قياسي – دون أي مبرر ولا اعتبار لارادة الأمة، وأصدرت مرسوم ضرورة رسم خارطة انتخابية على مزاج السلطة تسببت في اذكاء الصراعات القبلية والطائفية في المجتمع ، و فرضت شخصية منبوذة شعبياً على رأس المؤسسة التشريعية. و لم تكد أن تنتهي تلك الحقبة السوداء من تاريخ الكويت الا بسحب الجناسي وفرض القيود الامنية على كل من اتهم بالاصلاح ، وفرض القوانين المقيدة للحريات، وسجن وتهجير الاصلاحيين من النواب والشباب.

لقد جاء الخطاب الأميري ليفتح صفحة جديدة عنوانها المصالحة بين الحاكم و المحكوم واحترام الدستور والنزول على إرادة الأمة مصدر السلطات جميعاً، و هو ما جعله مفاجئاً لأكثر المراقبين تفاؤلاً وذكرنا بعهد أبو الدستور الشيخ عبدالله السالم رحمه الله. كما رسم الخطاب معالم العهد الجديد حيث أكد على التزام مؤسسة الحكم بالدستور كمصدر لشرعيته وبقائه ، مع تعهده بعدم تنقيحه أو تعطيله.

كما أكد النزول على إرادة الأمة واعتبارها حكماً بين السلطات وهي وحدها القادرة على تصحيح أي انحراف قد يطرأ على المسار السياسي. أمّا خاتمة الخطاب التي أوصت المواطنين بحسن الاختيار وحملتهم مسؤولية قراراتهم، فقد أكدّت على الدور المركزي للأمة لا في حسم الخلافات فحسب، بل بصناعة المستقبل السياسي للبلاد.

لقد جاء ذلك الخطاب التاريخي ليضع حدا لأزمة سياسية خطيرة وليصحح الانحراف الذي طرأ على مسيرة الديمقراطية الكويتية ، و هو ما يجعلنا تكبر للقيادة السياسية قربها من نبض الشارع، ووعيها بدقائق الأمور ، والتحامها مع شعبها الذي بادلها الحب والولاء. كما جاء الخطاب الأميري حاسماً وغير مسبوق في قضية حساسة طالما كانت مصدراً لتوتر العلاقة بين الحكم والشعب، ألا وهي تدخل السلطة المستمر في حق أصل من حقوق الشعب وهو انتخابات مجلس الأمة، بما في ذلك انتخابات الرئاسة واللجان.

و قد بلغ السيل الزبى حينما صوتت حكومة صباح الخالد لمرزوق الغانم في انتخابات الرئاسة الأخيرة رغماً عن إرادة الأمة على الرغم من  خسارته لثقة الأغلبية المنتخبة من ممثلي الامة ، ليستمر الاحتقان السياسي منذ تلك اللحظة حتى اعتصام النواب في مبنى مجلس الأمة احتجاجاً على تعطيل مواد الدستور و هو ما أصاب الحياة السياسية بالشلل. وقد كان الخطاب مطمئناً في وقوف السلطة على مسافة واحدة من الجميع، وعدم الزج بالحكم في الصراعات السياسية وهو ما يحفظ هيبته واحترامه في نفوس الجميع.

لكن ذلك لا يمنع الشعب من توجيه سؤال مستحق لقيادته السياسية و هو : إذا ما قام الشعب بواجبه وانتخب مجلساً يعكس إرادته السياسية، هل ستعيّن القيادة حكومة تعكس تلك الإرادة وتتماهى معها، أم أن آلية تعيين الحكومة القادمة سيكون كسابقاتها فتعود الأمور إلى المربع الأول و يحمّل ممثلي الشعب المسؤولية ؟

د.أحمد الذايدي