كتاب سبر

برنامج حكومي طموح .. ولكن

من يطلع على برنامج عمل الحكومة بالتفصيل يتضح له حجم الجهد المبذول والجدية في الاعداد ممّا يجعله مختلفاً بشكل كامل عن برامج الحكومات السابقة التي لم تعدو أن تكون بيانات انشائية مكتوبة على عجل.

إن أهم ما يميز هذا البرنامج و يجعله يرقى لأن يكون برنامجاً جاداً هو نقطتان أساسيتان :
الأولى ، ملامسته لهموم المواطن، حيث تضمن معظم ما يطمح إليه الشعب الكويتي، وأهم القضايا التي أثقلت كاهل البلاد منذ سنوات طويلة وعلى رأسها ملفات البدون والتركيبة السكانية وإصلاح القضاء، و تدهور التعليم والخدمات الصحية ومشكلة الإسكان والفساد والقوانين المقيدة للحريات والمصالحة الوطنية، و تخلف الادارة الحكومية وانتشار المخدرات وقلة مرافق الترفيه … الخ، و هي بلا شك قضايا مستحقة تدل على دقة رصد الحكومة لهموم المواطن و قربها من نبض الشارع.

أما النقطة الثانية التي تدل على جدية من أعد هذا البرنامج فهي توقيته بإطار زمني يجعل من السهل مراقبته والحكم عليه و على الجهاز المعني بالقضية ذات الصلة. و عليه ، ينبغي الاعتراف بأن حكومة سمو الشيخ أحمد النواف قد نجحت في أول مهمة دستورية بعد تشكيلها مما يبعث برسالة طمأنينة للشارع الكويتي وممثليه في مجلس الأمة، بل يفرض على المجلس مد يد التعاون مع هذه الحكومة ومنحها فرصة لتطبيق ما وعدت به.

التحدي الأكبر والغائب الأكبر

يبقى التحدي الأكبر لهذا البرنامج الطموح هو التطبيق السليم غير المشوه لما تضمنه من أهداف و وعود، وهو مايدعو إلى تظافر كافة الجهود الحكومية والبرلمانية والشعبية، لتحقيق ذلك البرنامج الطموح، و تفويت الفرصة على المتربصين بهذه التجربة الوليدة الذين يراهنون على فشلها لأنها جاءت على عكس مصالحهم وأهوائهم.

لكن الغائب الأكبر في هذا البرنامج ثلاثة عناصر رئيسية تستحق الانتباه :
العنصر الأول: هوية المجتمع ، و الذي جاء ذكره عرضاً ضمن الاشارة الى رؤية 2035 “…وتحافظ على الهوية الاجتماعية وتحقق التنمية البشرية” لكن للأسف تم تجاهله تماماً في الإجراءات التنفيذية، على الرغم من أن التحدي الأكبر الذي يواجهه شبابنا اليوم هو الاختراق الثقافي والفكري الذي يستهدف المنظومة القيمية و الأخلاقية و يجعل من الشذوذ والإلحاد حرية شخصية ، ويدعو النساء للتمرد على الرجال تحت ستار تحرير المرأة ، مما يهدد اركان الأسرة ، الحصن الأخير في المجتمع.

العنصر الثاني: الأمن الغذائي والذي كشفت عنه جائحة كورونا ثم حرب اوكرانيا، مما جعل هذه القضية الحيوية أولوية قصوى لكل دول العالم (بما فيها المصدرة للانتاج الزراعي و الحيواني) ، الا في بلدنا الذي يستورد كل شي و يمنح المزارع المخصصة للأمن الغذائي للترضيات السياسية.

العنصر الثالث: السياسة الخارجية التي لم يشر إليها برنامج الحكومة من قريب أو بعيد ، ربما لعدم شعبيتها و لابتعاد وزير الخارجية عن المساءلة السياسية ، لكن من المهم إنعاش ذاكرة الكويتيين في الإشارة إلى أن الغزو الغادر الذي تعرضت إليه الكويت عام 1990، كان أحد أهم أسبابه سوء التقدير والسياسة الخاطئة في التعامل مع جار السوء و عدم الاستعداد لذلك السيناريو المشؤوم. وعليه فإن الكويت بحاجة لربط مصالحها بمصالح الدول الكبرى في الإقليم وفي العالم، كما أنها بحاجة لتنظيم فعاليات عالمية تستقطب وسائل الإعلام وكبار الساسة والمفكرين حول العالم، ففي أوقات الشدة ستحتاج غيرك للدفاع عنك ولن تكتفي بالدفاع عن نفسك.

في الختام يبقى الإختبار القادم لجدية الحكومة هو تعيين قيادات تتصف بالكفاءة و الأمانة بحيث تكون قادرة على تنفيذ هذا البرنامج الطموح. ما لم يتحقق ذلك ستكون خطة الحكومة حبرا على ورق.

د.أحمد الذايدي