يمكن تعريف مرض السعار بأنه قلق وأرق وارتباك وهيجان وسلوك شاذ وجنون الارتياب أو جنون العظمة ، بالإضافة إلى رعب وهلوسة. أما الهستيريا فهي اضطراب عصبي ينشأ عن صدمة نفسية قوية وشعور بالعجز التام يؤدى إلى فقدان السيطرة على الذات وردود أفعال متهورة.
بتشخيص ردود أفعال وتصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني (لا أذكر اسمه عفاً لقلمي وحشمة للقراء) وأركان حزبه اليميني المتطرف ، يتبين بما لا يدع للشك مجالا أن معركة طوفان الأقصى قد أصابتهم ب “السعار الهستيري” ، وهو أقصى درجات الاضطراب النفسي العصبي والاختلال العقلي الحاد وشتات الذهن. إن معركة طوفان الأقصى لم تكن مجرد عملية عسكرية استثنائية وتغيير في قواعد الاشتباك مع قوات الاحتلال ، وإنما تدشين لاستراتيجية جديدة كليا في الصراع مع الكيان الصهيوني ، وتمهيد لتغيير موازين القوى والردع ، وإيذان بتحول جذري قريب في المشهد الجيوسياسي لصالح تحرير كامل أراضي فلسطين المحتلة.
لقد حطم بضع فصائل مسلحة (بالرغم من الفارق الشاسع في الإمكانات والقدرات والاستعدادات) أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، وأحدثت هزيمة نفسية عميقة للكيان ، وإذلال وتلطيخ تاريخي لسمعته وغطرسته. كما وكشفت الفشل الذريع للمنظومات والأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية والتي طالما تبجّح الكيان الصهيوني بقوتها وتفوق قدراتها التجسسية حول العالم. لقد اهتزت بشكل كبير ثقة المستوطنين بحكومتهم وبقدرتها على حمايتهم وحماية مصالحهم ، وسادت فوضى سياسية عارمة وانشقاقات واحتجاجات كبيرة في المجتمع الصهيوني وفي ثنايا الحزب الحاكم ، وتعاني المؤسسة العسكرية الهشة تمردا غير مسبوق ، وهروب لعناصر كثيرة من الخدمة ، وخسائر ميدانية متتالية وفادحة في الجنود والعتاد ، وعجز تام عن تحقيق أي إنجاز ولو رمزي ، وهو الذي أفقد الكيان صوابه فصب جام غضبه وحنقه على المدنيين العزل من النساء والأطفال والشيوخ ، وهذا هو ديدن الجبناء.
إن عمليات الانتقام الجماعي العشوائي الوحشي ، والتدمير الممنهج للبنى التحتية في غزة ، واستهداف المستشفيات والمدارس والجامعات وأطقم الطوارئ والإسعافات والمراسلين الإعلاميين ، أظهرت وحشية وهمجية ونازية الكيان الصهيوني للعالم أجمع ، فانقلب السحر على الساحر وخسر الحرب الإعلامية باعترافاته الرسمية، وتهاوت سردياته ومزاعمه وأكاذيبه التاريخية ، وانحازت الملايين في أصقاع الأرض إلى فلسطين ، خاصة في كبرى العواصم الغربية معقل تأثير اللوبي الصهيوني ، منددة بجرائم ومجازر الكيان الصهيوني ، وداعية إلى وقف العدوان ومحاسبة الحزب الحاكم ، ومؤيدة الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه وأراضيه المغتصبة ، ومطالبة بإنهاء الهيمنة الصهيونية لأنظمتهم ومؤسساتهم ، رغم التضليل والتدليس والنفاق الاعلامي الغربي المكثف والممنهج ، وهو الذي أثمر عن تغير واضح في حدة خطاب الساسة الغربيين حلفاء الصهاينة ، ومرونة وتردد في مواقفهم السياسة بعد التشدد والتحيز المطلق.
ولكن تبقى أبرز مكاسب معركة طوفان الأقصى إجهاض مشروع ما يسمى بصفقة القرن وهو تفريغ غزة من أهلها وطردهم إلى سيناء ، والتي كانت ماضية على قدم وساق وفق المخطط المقرر لها. كذلك من المكاسب التي سيكون لها أثر عميق في المنظور القريب هو بث الروح والوعي في الشعوب العربية والاسلامية ، وإدراكها أن طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني وحلفائه عقائدي بحت وليس سياسي ، وأن نصرة غزة ضرورة وواجب شرعي. وانطبق هذا بشكل غير متوقع على الأجيال اليافعة التي بادرت ببذل جهود النصرة والدعم والتضامن بالوسائل المتاحة ، في ضربة قاصمة للكيان الصهيوني وحلفائه الذين طالما راهنوا على استمالة الشباب العربي والمسلم وتمييع القضية الفلسطينية في أذهانهم. وأخيرا وليس أخرا ، أثبتت معركة طوفان الأقصى أن فرض الإرادة واستعادة الحقوق المسلوبة وحق تقرير المصير وطرد المحتل لا يتم عن طريق المفاوضات والاتفاقيات والمؤتمرات والمعاهدات ، وإنما بالمقاومة المسلحة المشروعة ، وامتلاك أسباب القوة جمعاء ، فهي اللغة الوحيدة التي يستوعبها جيدا الكيان وحلفاؤه.
إن حالة السعار الهستيري لساسة الكيان الصهيوني التي تدفعهم لارتكاب المزيد من العدوان والمجازر ، ولوي الحقائق باستخدام آلته الإعلامية ، لن تُخضع الشعب الفلسطيني في غزة ، ولن تكسر إرادته وعزيمته ونضاله ، ولن تعيد الشعوب العربية والإسلامية للمربع الأول ، ولن تسترد للكيان هيبته المزعومة ، وسيبقى يوم السابع من أكتوبر منعطف تاريخي في الصراع العربي/الإسلامي – الصهيوني ، وسيذكره الأجيال أنه اليوم الذي كسرت فيه شوكة الاحتلال ، واليوم الذي بدأ فيه العد التنازلي لنهاية حقبة وعد بلفور المشؤم ، وزوال واندحار الكيان الصهيوني ، وقيام دولة فلسطين بمشيئة الله تعالى.
د.جاسم الفهاد
أضف تعليق